للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من ضعف طالب الجنة ونعيمها بأضعاف مضاعفة اللهم اهدنا إليك أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ الهمزة لانكار الوقوع كما في قوله أاضرب ابى لا لانكار الواقع كما في قوله أتضرب أباك اى ما كان ينبغى ان يود رجل منكم أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ كائنة مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ والجنة تطلق على الأشجار الملتفة المتكائفة وهو الأنسب بقوله تعالى تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ إذ على كونها بمعنى الأرض المشتملة على الأشجار الملتفة لا بد من تقدير مضاف اى من تحت أشجارها لَهُ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ الظرف الاول خبر والثاني حال والثالث مبتدأ اى صفة للمبتدأ قائمة مقامه اى له رزق من كل الثمرات كما في قوله تعالى وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ اى وما منا أحد الا له إلخ وليس المراد بالثمرات العموم بل انما هو التكثير كما في قوله تعالى وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ فان قلت كيف قال جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ ثم قال لَهُ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ قلت النخيل والأعناب لما كانا أكرم الشجر وأكثرها نفعا خصهما بالذكر وجعل الجنة منهما وان كانت محتوية على سائر الأشجار تغليبا لهما على غيرهما ثم اردفهما ذكر كل الثمرات وَالحال انه قد أَصابَهُ الْكِبَرُ اى كبر السن الذي هو مظنة شدة الحاجة الى منافعها ومئنة كمال العجز عن تدارك اسباب المعاش وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفاءُ اى أصابه الكبر والحال ان له ذرية صغارا لا يقدرون على الكسب وترتيب مبادى المعاش فَأَصابَها اى تلك الجنة إِعْصارٌ اى ريح عاصفة تستدير في الأرض ثم تنعكس منها ساطعة الى السماء على هيئة العمود فِيهِ نارٌ

شديدة فَاحْتَرَقَتْ فصارت نعمها الى الذهاب وأصلها الى الخراب فبقى الرجل متحيرا لا يجد ما يعود به عليها ولا قوة له ان يغرس مثلها ولا خير في ذريته من الاعانة لكونهم ضعفاء عاجزين عن ان يعينوه وهذا كما ترى تمثيل لحال من يفعل الافعال الحسنة ويضم إليها ما يحبطها كرياء وإيذاء في الحسرة والأسف إذا كان يوم القيامة واشتدت حاجته إليها ووجدها محبطة بحال من هذا شأنه وأشبههم به من جال بسره في عالم الملكوت وترقى بفكره الى جنات الجبروت ثم نكص على عقبيه الى عالم الزور والتفت الى ما سوى الحق وجعل سعيه هباء منثورا: قال الحافظ زاهد ايمن مشو از بازئ غيرت زنهار كه ره از صومعه تا دير مغان اين همه نيست كَذلِكَ اى مثل ذلك البيان الواضح الذي بين فيما مر من الجهاد والانفاق في سبيل الله وقصة ابراهيم وعزير وغير ذلك لكم ايها الفريق يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ اى الدلالات الواضحة في تحقيق التوحيد وتصديق الدين لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ كى تتفكروا فيها وتعتبروا بما فيها من العبر وتعملوا بموجبها قال القشيري هذه آيات ذكرها الله على جهة ضرب المثل للمخلص والمنافق والمنفق في سبيل الله والمنفق في الباطل هؤلاء يحصل لهم الخلف والشرف وهؤلاء يحصل لهم السرف والتلف وهؤلاء ضل سعيهم وهؤلاء شكر سعيهم وهؤلاء تزكو أعمالهم وهؤلاء حبطت أعمالهم وخسرت أموالهم وختمت بالسوء أحوالهم وتضاعف عليهم وبالهم وثقل ومثل هؤلاء كالذى أنبت زرعا زكا أصله ونما فضله وعلا فرعه وكثر نفعه ومثل هؤلاء كالذى خسرت صفقته وسرقت بضاعته وضاقت على كبر سنه غلته

<<  <  ج: ص:  >  >>