واحتج أهل القول الاول بوجوه الاول العمومات كقوله تعالى وأزلفت الجنة للمتقين وقوله عليه السلام من شهد ان لا اله الا الله خالصا دخل الجنة فكما انهم يخاطبون بعمومات الوعيد بالإجماع فكذلك يخاطبون بعمومات الوعد بالطريق الاولى ومن أظهر حجة فى ذلك قوله تعالى ولمن خاف مقام ربه جنتان فبأى الى آخر السورة والخطاب للجن والانس فامتن عليهم بجزاء الجنة ووصفها لهم وشوقهم إليها فدل ذلك على انهم ينالون ما امتن عليهم به إذا آمنوا وقد جاء فى حديث ان رسول الله عليه السلام قال لاصحابه لما تلا عليهم هذه السورة الجن كانوا احسن ردا منكم ما تلوت عليهم من آية الا قالوا ولا بشىء من آلائك ربنا نكذب والثاني ما استدل به ابن حزم من قوله تعالى ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية جزاؤهم الى آخر السورة قال وهذه صفة تعم الجن والانس عموما لا يجوز البتة ان يخص منها أحد النوعين ومن المحال ان يكون الله يخبرنا بخبر عام وهو لا يريد الا بعض ما أخبرنا به ثم لايبين لنا ذلك هذا هو ضد البيان الذي ضمنه الله لنا فكيف وقد نص على انهم من جملة المؤمنين الذين يدخلون الجنة والثالث ما سبق من خبر الطمث والرابع ما قال ابن عباس رضى الله عنهما الخلق اربعة فخلق فى الجنة كلهم وخلق فى النار كلهم وخلقان فى الجنة والنار فاما الذين فى الجنة كلهم فالملائكة واما الذين فى النار كلهم فالشياطين واما الذين فى الجنة والنار فالانس والجن لهم الثواب وعليهم العقاب والخامس ان العقل يقوى ذلك وان لم يوجبه وذلك ان الله سبحانه قد أوعد من كفر منهم وعصى بالنار فكيف لا يدخل من أطاع منهم الجنة وهو سبحانه الحكم العدل فان قيل قد أوعد الله من قال من الملائكة انى اله من دونه بالنار ومع هذا ليسوا فى الجنة فى الجواب ان المراد بذلك إبليس دعا الى عبادة نفسه فنزلت الآية فيه وهى ومن يقل منهم انى اله من دونه فذلك نجزيه جهنم وايضا ان ذلك وان سلمنا ارادة العموم منه فهذا لا يقع من الملائكة بل هو شرط والشرط لا يلزم وقوعه وهو نظير قوله لئن أشركت ليحبطن عملك والجن يوجد منهم الكافر فيدخل النار واحتج اهل القول الثاني بقوله تعالى يغفر لكم إلخ حيث لم يذكر دخول الجنة فدل على انهم لا يدخلونها والجواب انه لا يلزم من سكوتهم او عدم علمهم بدخول الجنة نفيه وايضا ان الله اخبر أنهم ولوا الى قومهم منذرين فالمقام مقام الانذار لا مقام بشارة وايضا ان هذه العبارة لا تقتضى نفى دخول الجنة لان الرسل المتقدمين كانوا ينذرون قومهم بالعذاب ولا يذكرون دخول الجنة لان التخويف بالعذاب أشد تأثيرا من الوعد بالجنة كما اخبر عن نوح فى قوله انى أخاف عليكم عذاب يوم أليم وعن هود عذاب يوم عظيم وعن شعيب عذاب يوم محيط وكذلك غيرهم وايضا ان ذلك يستلزم دخول الجنة لان من غفر ذنوبه وأجير من العذاب وهو مكلف بشرائع الرسل فانه يدخل الجنة وقد سبق دليل القول الثالث والرابع والعلم عند الله الملك المتعال واليه المرجع والمآل أَوَلَمْ يَرَوْا الهمزة للانكار والواو للعطف على مقدر يستدعيه المقام والرؤية قلبية اى ألم يتفكروا ولم يعلموا علما جازما فى حكم المشاهدة والعيان أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ابتداء من غير مثال وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ اى لم يتعب ولم ينصب بذلك أصلا أو لم يعجز عنه يقال عييت بالأمر