للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنها أن الله تعالى لم يقض بين الخلق بالتكاليف والمجاهدات قبل البلوغ لضعف البشرية وثقل حمل الشريعة واخر بحكمته تكاليف الشرع تربية للقالب ليحصل القوة لقمع الطبع (قال الصائب)

تا چهـ آيد روشن است از دست اين يك قطعه خاك ... چرخ نتوانست كردن زه كمان عشق را

ومنها أن من ظلم نفسه بمتابعة الهوى فله عذاب اليم بعد البلوغ من الفطام عن المألوفات الطبيعية بالاحكام الشرعية وهذا العذاب للنفس والطبيعة رحمة عظيمة للقلب والروح ولذا من قال هذه الطاعات جعلها الله عذابا علينا من غير تأويل كفر فان أول مراده بالتعب لا يكفر ولو قال لو لم يفرض الله لكان خيرا لنا بلا تأويل كفر لأن الخير فيما اختاره الله الا ان يؤول ويريد بالخير الا هون والا سهل وفى القصيدة البردية

وراعها وهى فى الأعمال سائمة ... وان هى استحلت المرعى فلا تسم

اى راع النفس فى اشتغالها بالأعمال عما هو مفسد ومنقص للكمال من الرياء والعجب والغفلة والضلال وان عدت النفس بعض التطوعات حلوا واعتادت به والفت فاجتهد فى ان تقطع نفسك عنها واشتغل بما هو أشق عليها لأن اعتبار العبادة انما هو بامتيازها عن العادة وانما ترتفع الكلفة مطلقا عن العارفين

كم حسنت لذة للمرء قاتلة ... من حيث لم يدران السم فى الدسم

يعنى كثيرا من المرات زينت النفس لذة للمرء من اللذات قاتلة للمرء كالدسم والمرء لا يدرى أن السم فى الدسم لا سيما إذا كان المرء من اهل المحبة والوداد فهلاكه فى لذة الطعام وطيب الرقاد ومن الله التوفيق لاصلاح النفس وتزكيتها تَرَى الظَّالِمِينَ اى المشركين يوم القيامة يا من بصلح للرؤية مُشْفِقِينَ خائفين مِمَّا كَسَبُوا اى إشفاقا ناشئا من السيئات التعملوها فى الدنيا ومن أجلها فكلمة من للتعليل وليست صلة مشفقين حتى يحتاج الى تقدير المضاف هنا مع أنه ايضا معنى صحيح لأن الاول ابلغ وادخل فى الوعيد وَهُوَ واقِعٌ بِهِمْ اى وباله وجزاؤه لا حق بهم لا محالة اشفقوا أو لم يشفقوا والجملة حال من ضمير مشفقين او اعتراض قال سعدى المفتى يعنى ينعكس الحال فى الآخرة فالآمنون فى الدنيا يشفقون فى الآخرة والمشفقون فى الدنيا يأمنون فى الآخرة (وفى المثنوى)

لا تخافوا هست نزل خائقان ... هست در خور از براى خائف آن

هر كه ترسد مرورا ايمن كنند ... هر دل ترسنده را ساكن كنند

آنكه خوفش نيست چون كويى مپرس ... درس چهـ دهى نيست او محتاج درس

وفيه اشارة الى أن عذاب اهل الهوى والشهوات واقع بهم اما فى الدنيا بكثرة الرياضات وانواع المجاهدات لتزكية النفس من أوصافها وتحليتها بأضدادها واما فى الآخرة بورودها النار لتنقيتها وعذاب الدنيا أهون فلا بد من الاجتهاد قبل فوات الوقت وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ اى استعملوا تكاليف الشرع لقمع الطبع وكسر الهوى وتزكية النفس وتصفية القلب وتحلية الروح فِي رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ مستقرون فى أطيب بقاعها

<<  <  ج: ص:  >  >>