جزاء الإحسان الا الإحسان وجزاء سيئة سيئة مثلها انتهى ودلت الآية على ان الاستكبار من قبائحهم المؤدية الى هذه القباحة والطرد قال عليه السلام حكاية عن الله تعالى (الكبرياء ردائى والعظمة إزاري فمن نازعنى واحدا منهما ألقيته فى النار) وصف الحق سبحانه نفسه بالرداء والإزار دون القميص والسراويل لكونهما غير محيطين فبعدا عن التركيب الذي هو من أوصاف الجسمانيات واعلم ان الكبر يتولد من الاعجاب والاعجاب من الجهل بحقيقة المحاسن والجهل رأس الانسلاخ من الانسانية ومن الكبر الامتناع من قبول الحق ولذا عظم الله امره فقال (فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ) وأقبح كبر بين الناس ما كان معه بخل ولذلك قال عليه السلام (خصلتان لا تجتمعان فى مؤمن البخل والكبر) ومن تكبر لرياسة نالها دل على دناءة عنصره ومن تفكر فى تركيب ذاته فعرف مبدأه ومنتهاه وأوسطه عرف نقصه ورفض كبره ومن كان تكبره لغنية فليعلم ان ذلك ظل زائل وعارية مستردة وانما قال بغير الحق اشارة الى ان التكبر ربما يكون محمودا وهو التكبر والتبختر بين الصفين ولذا نظر رسول الله عليه السلام الى ابى دجانة يتبختر بين الصفين فقال (ان هذه مشية يبغضها الله الا فى هذا المكان) وكذا التكبر على الأغنياء فانه فى الحقيقة عز النفس وهو غير مذموم قال عليه السلام (لا ينبغى للمؤمن ان يذل نفسه) فعلى العاقل ان يعز نفسه بقبول الحق والتواضع لاهله ويرفع قدره بالانقياد لما وضعه الله تعالى من الاحكام ويكون من المنصورين فى الدنيا والآخرة ومن الذين يثنى عليهم بالثناء الحسن لحسن معاملاتهم الباطنة والظاهرة نسأل الله ذلك من نعمه المتوافرة: قال الشيخ سعدى قدس سره
بزركان نكردند در خود نكاه ... خدا بينى از خويشتن بين مخواه
بزركى بناموس وكفتار نيست ... بلندى بدعوى و پندار نيست
بلنديت بايد تواضع كزين ... كه آن بام را نيست سلم جز اين
برين آستان عجز ومسكينيت ... به از طاعات وخويشتن بينيت
وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ اى التوراة مِنْ بَعْدِ ما أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولى جمع قرن وهو القوم المقترنون فى زمان واحد اى من بعد ما أهلكنا فى الدنيا بالعذاب أقوام نوح وهود وصالح ولوط اى على حين حاجة إليها قال الراغب الهلاك بمعنى الموت لم يذكره الله حيث يفقد الذم الا فى قوله (إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ) وقوله (وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ) وقوله (حَتَّى إِذا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا) بَصائِرَ لِلنَّاسِ حال من الكتاب على انه نفس البصائر وكذا ما بعده. والبصائر جمع بصيرة وهى نور القلب الذي به يستبصر كما ان البصر نور العين الذي به تبصر. والمعنى حال كون ذلك الكتاب أنوار القلوب بنى إسرائيل تبصر بها الحقائق وتميز بين الحق والباطل حيث كانت عمياء عن الفهم والإدراك بالكلية وَهُدىً اى هداية الى الشرائع والاحكام التي هى سبيل الله قال فى انسان العيون التوراة أول كتاب اشتمل على الاحكام والشرائع بخلاف ما قبله من الكتب فانها لم تشتمل على ذلك وانما كانت مشتملة على الايمان بالله وحده وتوحيده ومن ثمة قيل لها صحف واطلاق الكتب عليها