للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبيان ان المراد من الاستواء المذكور فى الحقيقة تعيين مرتبة الرحمانية فَسْئَلْ بِهِ متعلق بما بعده وهو خَبِيراً كما فى قوله (إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) ونظائره اى فاسأل خبيرا بما ذكر من الخلق والاستواء يعنى الذي خلق واستوى لانه هو الخبير بأفعاله وصفاته كما قال (وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ) وقال (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ) ومن جعل قوله (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) عطفا على الا الله يكون الخبير المسئول منه هو الراسخون فى العلم وقد مر تحقيق الآية فى سورة الأعراف وسورة يونس وسورة طه فارجع وفى الفتوحات المكية لما كان الحق تعالى هو السلطان الأعظم ولا بد للسلطان من مكان يكون فيه حتى يقصد بالحاجات مع انه تعالى لا يقبل المكان اقتضت المرتبة ان يخلق عرشا ثم ذكر انه استوى عليه حتى يقصد بالدعاء وطلب الحوائج منه كل ذلك رحمة للعباد وتنزلا لعقولهم ولولا ذلك لبقى العبد حائرا لا يدرى اين يتوجه بقلبه وقد خلق الله تعالى القلب ذا جهة فلا يقبل الا ما كان له جهة وقد نسب الحق تعالى لنفسه الفوقية من سماء وعرش واحاطة بالجهات كلها بقوله (فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ) وبقوله (ينزل ربنا الى سماء الدنيا) وبقوله عليه السلام (ان الله فى قبلة أحدكم) وحاصله ان الله تعالى خلق الأمور كلها للمراتب لا للاعيان انتهى وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اى لهؤلاء المشركين اسْجُدُوا صلوا وعبر عن الصلاة بالسجدة لانها من أعظم أركانها لِلرَّحْمنِ الذي برحمته أوجد الموجودات قالُوا وَمَا الرَّحْمنُ اى أي شىء هو او من هو لان وضع ما أعم وهو سؤال عن المسمى بهذا الاسم لانهم ما كانوا يطلقونه على الله ولا يعرفون كونه تعالى مسمى بهذا الاسم وان كان مذكورا فى الكتب الاولى انه من اسماء الله تعالى أو لأنهم كانوا يعرفون كونه تعالى مسمى بهذا الاسم الا انهم يزعمون انه قد يراد به غيره وهو مسيلمة الكذاب باليمامة فانه يقال رحمن اليمامة وكان المشركون يكذبونه ولذلك غالطوا بذلك وقالوا ان محمدا يأمرنا بعبادة رحمن اليمامة ونظيره ان المنافقين صدرت منهم كلمات وحركات فى حق النبي عليه السلام بالاستهزاء والاستسخار فقال تعالى (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ) فغالطوا فى الجواب عن ذلك بهاتين اللفظتين الموهمتين صدق ما كانوا فيه حتى كذبهم الله تعالى بقوله (قُلْ أَبِاللَّهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ) والمغالطة هو ان المنشئ او المتكلم يدل على معنى له مثل او نقيض فى شىء ويكون المثل او النقيض احسن موقعا لارادته الإبهام به كذا فى العقد الفريد للعلامة ابن طلحة أَنَسْجُدُ لِما تَأْمُرُنا بسجوده من غير ان نعرف ان المسجود له ماذا وهو استفهام انكار اى لا نسجد للرحمن الذي تأمرنا بسجودنا له وَزادَهُمْ اى الأمر بالسجود للرحمن نُفُوراً عن الايمان. والنفور الانزعاج عن الشيء والتباعد وهو نظير قوله (فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلَّا فِراراً) فمن جهل وجود الرحمن او علم وجوده وفعل فعلا او قال قولا لا يصدر الا من كافر فكافر بالاتفاق كما فى فتح الرحمن وذلك كما إذا سجد للصنم او القى المصحف فى المزابل او تكلم بالكفر يكفر بلا خلاف لكونه علامة التكذيب وكان سفيان الثوري رحمه الله إذا قرأ هذه الآية رفع رأسه الى السماء وقال الهى زادنى خضوعا مازاد أعداءك نفورا وقال رجل لرسول الله

<<  <  ج: ص:  >  >>