التولي فى قوله فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ اى أعرضتم عن إطاعة الرسول فَإِنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ تعليل للجواب المحذوف اى فلا بأس عليه إذ ما عليه الا التبليغ المبين وقد فعل ذلك بما لا مزيد عليه واظهار الرسول مضافا الى نون العظمة فى مقام إضماره لتشريفه عليه السلام والاشعار بمدار الحلم الذي هو كون وظيفته عليه السلام محض البلاغ ولزيادة تشنيع التولي عنه وفى التأويلات النجمية أطيعوا الله بتهيئة الأسباب بمظهرية ذاته وصفاته وأطيعوا الرسول بتحصيل القابلية لمظهرية احكام شريعته الظاهرة وآداب طريقته الباطنة فان أعرضتم عن تهيئة الأسباب والاستعداد وتصفية هذين الامرين الكليين بالإقبال على الدنيا والاستهلاك فى بحر شهواتها فانما على رسولنا البلاغ المبين وعليكم العذاب المهين اللَّهُ لا إِلهَ فى الوجود إِلَّا هُوَ جملة من مبتدأ وخبر اى هو المستحق للمعبودية لا غير وهو القادر على الهداية والضلالة لا شريك له فى الإرشاد والإضلال وليس بيد الرسول شىء من ذلك وَعَلَى اللَّهِ اى عليه تعالى خاصة دون غيره لا استقلالا ولا اشتراكا فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ فى تثبيت قلوبهم على الايمان والصبر على المصائب واظهار الجلالة فى موضع الإضمار للاشعار بعلية التوكل والأمر به فان الالوهية مقتضية للتبتل اليه تعالى بالكلية وقطع التعلق عما سواه بالمرة وفى الآية بعث لرسول الله وللمؤمنين وحث لهم على الثبات على التوكل والازدياد فيه حتى ينصرهم على المكذبين وعلى من تولى عن الطاعة وقبول احكام الدين. واعلم ان التوكل من المقامات العالية وهو اظهار العجز والاعتماد على الغير وفى الحدائق التوكل هو الثقة بما عند الله واليأس مما فى أيدى الناس وظاهر الأمر يفيد وجوب التوكل مع انه غير موجود فى اكثر الناس فيلزم أن يكونوا عاصين ولعل المأمور به هو التوكل العقلي وهو أن يعتقد العبد انه ما من مراد من مراداته الدنيوية والاخروية الا وهو يحصل من الله فيثق به فى حصوله ويرجو منه وان كانت النفس تلتفت الى الغير وتتوقع منه نظرا الى اعتقاد سببيته والله مسبب الأسباب واما التوكل الطبيعي الذي لا يكون ثقة صاحبه طبعا الا بالله وحده ولا اعتماده الا عليه فى جميع مقاصده مع قطع النظر عن الأغيار كلها رأسا فهو عسير قلما يوجد الا فى الكمل من الأولياء كما حكى عن بشر الحافى رحمه الله انه جائه جماعة من الشام وطلبوا منه أن يحج معهم فقال نعم ولكن بثلاثة شروط أن لا نحمل معنا شيأ ولا نسأل أحدا شيأ ولا نقبل من أحد شيأ فقالوا اما الاول والثاني فنقدر عليه اما الثالث فلا نقدر فقال أنتم الذين تحجون متوكلين على زاد الحاج وقيل من ادعى التوكل ثم شبع فقد حمل زادا وعن بعضهم انه قال حججت اربع عشرة مرة حافيا متوكلا وكان يدخل الشوك فلا أخرجه لئلا ينقص توكلى وعن ابراهيم الخواص رحمه الله بينما أنا أسير فى البادية إذ قال لى أعرابي يا ابراهيم التوكل عندنا فاقم عندنا حتى يصح توكلك أما تعلم ان رجاءك دخول بلد فيه أطعمة يحملك ويقويك اقطع رجاءك عن دخول البلدان فتوكل فاذا كان رجاء دخول البلدان مانعا عن التوكل التام فما ظنك بالإقامة فى بلاد خصبة ولذا أوقع الله التوكل على الجلالة لانها جامعة لجميع الأسماء فالتوكل عليه توكل تام والتوكل على الأسماء الجزئية توكل ناقص فمن عرف الله وكل اليه أموره وخرج هو من البين ومن