للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والتعرض لذلك تمهيد لبيان كمال قبح ما فعل به صاحبه لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ قرأ حفص عن عاصم ولى بفتح الياء والباقون بإسكانها على الأصل نَعْجَةٌ واحِدَةٌ النعجة هى الأنثى من الضأن وقد يكنى بها عن المرأة والكناية والتعريض ابلغ فى المقصود وهو التوبيخ فان حصول العلم بالمعرض به يحتاج الى تأمل فاذا تأمله واتضح قبحه كان ذلك أوقع فى نفسه واجلب لخجالته وحيائه فَقالَ أَكْفِلْنِيها اى ملكنيها وحقيقته اجعلنى اكفلها كما اكفل ما تحت يدى والكافل هو الذي يعولها وينفق عليها وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ اى غلبنى فى مخاطبته إياي محاجة بان جاء بحجاج لم اقدر على رده وعن ابن عباس رضى الله عنهما كان أعز منى وأقوى على مخاطبتى لانه كان الملك فالمعنى كان اقدر على الخطاب لعزة ملكه كما فى الوسيط قالَ داود بعد اعتراف المدعى عليه او على تقدير صدق المدعى والا فالمسارعة الى تصديق أحد الخصمين قبل سماع كلام الآخر لا وجه له وفى الحديث (إذا جلس إليك الخصمان فلا تقض لاحدهما حتى تسمع من الآخر) لَقَدْ ظَلَمَكَ جواب قسم محذوف قصد به عليه السلام المبالغة فى انكار فعل صاحبه وتهجن طعمه فى نعجة من ليس له غيرها مع ان له قطيعا منها بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ السؤال مصدر مضاف الى مفعوله وتعديته الى مفعول آخر بالى لتضمنه معنى الاضافة والضم كأنه قيل بضم نعجتك الى نعاجه على وجه السؤال والطلب وفى هذا اشارة الى ان الظلم فى الحقيقة من شيم النفوس فان وجدت ذا عفة فالعلة كما قال يوسف (وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي) الآية فالنفوس جبلت على الظلم والبغي وسائر الصفات الذميمة ولو كانت نفوس الأنبياء عليهم السلام كذا فى التأويلات النجمية يقول الفقير هذا بالنسبة الى اصل النفوس وحقيقتها وإلا فنفوس الأنبياء مطمئنة لا امارة إذ لم يظهر فيهم الا آثار المطمئنة وهى أول مراتب سلوكهم وقد أشار الشيخ الى الجواب بقوله فان وجدت إلخ فاعرف ذلك فانه من مزالق الاقدام وقد سبق التحقيق فيه فى سورة يوسف ثم قال داود عليه السلام حملا للنعجة على حقيقتها لا على كونها مستعارة للمرأة وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ اى الشركاء الذين خلطوا أموالهم جمع خليط كظريف والخلطة الشركة وقد غلبت فى الماشية لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ اى ليتعدى غير مراعى لحق الصحبة والشركة: يعنى [از حق خود زياده مى طلبند] إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ منهم فانهم يجتنبون عن البغي والعدوان وَقَلِيلٌ ما هُمْ وهم قليل فهم مبتدأ وقليل خبره قدم عليه للاهتمال به وانما أفرد تشبيها بفعيل بمعنى مفعول وما مزيدة لتأكيد القلة او للابهام او التعجب من قلة الموصوفين بالايمان وصالح العمل وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ الظن مستعار للعلم الاستدلالي لما بينهما من المشابهة. يعنى ان الظن الغالب لما كان يقارب العلم استعير له فالظن يقين لكنه ليس بيقين عيان فلا يقال فيه الا العلم. وما فى انما كافة والمعنى وعلم داود بما جرى فى مجلس الحكومة انما فعلنا به الفتنة والامتحان لا غير بتوجيه الحصر الى نفس الفعل بالقياس الى ما يغايره من الافعال فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ اثر ما علم ان ما صدر عنه ذنب كما استغفر آدم عليه السلام بقوله ربنا ظلمنا أنفسنا إلخ وموسى عليه السلام بقوله تبت إليك وغيرهما من الأنبياء

<<  <  ج: ص:  >  >>