وَأُوحِيَ إِلى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ اى المصرين على الكفر وهو اقناط له عليه السلام من ايمانهم واعلام لكونه كالمحال الذي لا يصح توقعه إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ الا من قد وجد منه ما كان يتوقع من إيمانه وقد للتوقع وقد أصابت محزها وقال المولى ابو السعود رحمه الله هذا الاستثناء على طريقة قوله تعالى إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ وقد سبق فى اواخر سورة النساء وقال سعدى المفتى ان قيل من قد آمن لا يحدث الايمان بل يستمر عليه فكيف صح اتصال الاستثناء قلنا قد تقرر ان لدوام الأمور المستمرة حكم الابتداء ولهذا لو حلف لا البس هذا الثوب وهو لا بسه فلم ينزعه فى الحال يحنث ومبنى الايمان على العرف وقال القطب العلامة إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ قد استعد للايمان وتوقع منه ولا يراد الايمان بالفعل والا لكان التقدير الا من قد آمن فانه يؤمن فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ هو تفتعل من البؤس ومعناه الحزن فى استكانة وهى الخضوع اى لا تحزن حزن بائس مستكين ولا تغتم بما كانوا يتعاطون من التكذيب والإيذاء فى هذه المدة الطويلة فقد انتهى أفعالهم وحان وقت الانتقام منهم وعن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال (ان نوحا كان إذا جادل قومه ضربوه حتى يغشى عليه فاذا أفاق قال اللهم اهد قومى فانهم لا يعلمون) انتهى ولما جاء هذا الوحى من عند الله تعالى دعا عليهم فقال رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً: وفى المثنوى
ناحمولى انبيا را از امر دان ... ور نه حمالست بدرا حلمشان
طبع را كشتند اندر حمل بد ... ناحمولى گر كند از حق بود
قال حضرة الشيخ الأكبر قدس سره الأطهر أول ما يتخلق المتخلق بعدم التأذى بأذى الأنام باحتماله صبرا وواسطته ان لا يجدهم مؤذين لانه موحد فيستوى عنده المسيئ والمحسن فى حقه وخاتمته ان يرى المسيئ محسنا اليه فانه عالم بالحقائق متحقق بالتجلى الإلهي وهى بداية التحقيق والاشارة فى الآية ان نوح الروح لا يؤمن من قومه الا القلب والسر والبدن وجوارحه فاما النفس فانها لا تؤمن ابدا اللهم الا نفوس الأنبياء وخواص الأولياء فانها تسلم أحيانا دون الايمان وحال النفوس كاحوال الاعراب كقوله تعالى قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ فان معدن الايمان القلوب ومظهر الإسلام النفوس لان الإسلام الحقيقي الذي قال تعالى فيه أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ هو ضوء قد انعكس من مرآة القلب المنور بنور الايمان فاما اسلام الاعراب إذ قال تعالى لهم ولما يدخل الايمان فى قلوبكم لم يكن ضوأ منعكسا من مرآة القلب المنور ولكن هو ضوء منعكس من النور المودع فى كلمة التوحيد والأعمال الصالحة عند إتيانها بالصدق علم ان ايمان الخواص ينزل من الحق تعالى بنظر عنايته على القلوب القابلة للفيض الإلهي بلا واسطة وايمان العوام يدخل فى قلوبهم من طريق الإقرار باللسان والعمل بالأركان فَلا تَبْتَئِسْ على نفوس السعداء بِما كانُوا يَفْعَلُونَ من اعمال الشر فانها لهم كالجسد للاكسير ينقلب ذهبا مقبولا عند طرح الروح فلذلك تنقلب اعمال الشر خيرا عند طرح التوبة عليها كما قال تعالى فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ فَلا تَبْتَئِسْ على نفوس الأشقياء بِما كانُوا يَفْعَلُونَ لانها حجة الله على