لكل مجموع مؤلف لحقيقة خفيت عن اكثر الناس شرع الطلاق رحمة لعباده ليكونوا مأجورين فى أفعالهم محمودين غير مذمومين إرغاما للشيطان فانهم فى ذلك تحت اذن الهى وانما كان الطلاق ابغض الحلال الى الله تعالى لانه رجوع الى العدم إذ بائتلاف الطبائع ظهر وجود التركيب وبعد الائتلاف كان العدم فمن أجل هذه الرائحة كرهت الفرقة بين الزوجين لعدم عين الاجتماع كذا فى الفتوحات. وتقديم التمتيع على التسريح من باب الكرم وفيه قطع لمعاذيرهن من أول الأمر وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
اى تردن رسوله وصحبته ورضاه وذكر الله للايذان بجلالته عليه السلام عنده تعالى وَالدَّارَ الْآخِرَةَ اى نعيمها الذي لا قدر عنده للدنيا وما فيها جميعا فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِناتِ [مر زنان نيكوكارانرا] مِنْكُنَّ بمقابلة إحسانهن ومن للتبيين لان كلهن محسنات أصلح نساء العالمين ولم يقل لكن اعلاما بان كل الإحسان فى إيثار مرضاة الله ورسوله على مرضاة انفسهن أَجْراً عَظِيماً لا يعرف كنهه وغايته وهو السر فيما ذكر من تقديم التمتيع على التسريح وفى وصف التسريح بالجميل ولما نزلت هذه الآية بدأ عليه السلام بعائشة رضى الله عنها وكانت أحب أزواجه اليه وقرأها عليها وخيرها فاختارت الله ورسوله- وروى- انه قل لعائشة رضى الله عنها انى ذاكر لك امرا أحب ان لا تعجلى حتى تستأمرى أبويك اى تشاورى لما علم ان أبويها لا يأمرانها بفراقه عليه السلام قالت وما هو يا رسول الله فتلا عليها الآية فقالت أفي هذا استأمر أبوي بل اختار الله ورسوله والدار الآخرة [رسول را اين سخن ازو عجب آمد وبدان شاد شد واثر شادى بر بشره مبارك وى پيدا آمد] ثم اختارت الباقيات اختيارها فلما آثرنه عليه السلام والنعيم الباقي على الفاني شكر الله لهن ذلك وحرم على النبي التزوج بغيرهن فقال (لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ) الآية كما سيأتى واختلف فى ان هذا التخيير هل كان تفويض الطلاق إليهن حتى يقع الطلاق باختيارهن او كان تخييرا لهن بين الإرادتين على انهن ان أردن الدنيا فارقهن عليه السلام كما ينبىء عنه قوله (فَتَعالَيْنَ) إلخ فذهب البعض الى الاول وقالوا لو اخترن انفسهن كان ذلك طلاقا ولذا اختلف فى حكم التخيير فانه إذا خير رجل امرأته فاختارت نفسها فى ذلك المجلس قبل القيام او الاشتغال بما يدل على الاعراض بان تقول اخترت نفسى وقعت طلقة بائنة عند ابى حنيفة ورجعية عند الشافعي وثلاث تطليقات عند مالك ولو اختارت زوجها لا يقع شىء أصلا وكذا إذا قامت من مجلسها قبل ان تختار نفسها انقطع التخيير باتفاقهم واختلفوا فيما إذا قال أمرك بيدك فقال ابو حنيفة إذا قال أمرك بيدك فى تطليقة فاختارت نفسها يقع طلقة رجعية وان نوى الثلاث صح فلو قالت اخترت واحدة فهى ثلاث وهو كالتخيير يتوقف على المجلس وفى الآية إشارتان الاولى ان حب الدنيا وزينتها موجب للمفارقة عند صحبة النبي عليه السلام لازواجه مع انهن محال النطفة الانسانية فى عالم الصورة ليعلم ان حب الدنيا وزينتها آكد فى إيجاب المفارقة عن صحبة النبي عليه السلام لامته لان أرحام قلوبهم محل النطفة الروحانية الربانية فينبغى ان يكون أطيب وازكى لاستحقاق تلك النطفة الشريفة فان الطيبات للطيبين