للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اى فرقها والمعنى إذا متم وفرقت أجسادكم كل تفريق بحيث صرتم رفاتا وترابا إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ اى مستقرون فيه: وبالفارسية [در آفرينش تو خواهيد بود يعنى زنده خواهيد كشت] وجديد فعيل بمعنى فاعل عند البصريين من جدّ فهو جديد كقل فهو قليل وبمعنى المفعول عند الكوفيين من جدّ النساج الثوب إذا قطعه قال فى المفردات يقال جددت الثوب إذا قطعته على وجه الإصلاح وثوب جديد أصله المقطوع ثم جعل لكل ما أحدث انشاؤه والخلق الجديد اشارة الى النشأة الثانية والجديدان الليل والنهار والعامل فى إذا محذوف دل عليه ما بعده اى تنشأون خلقا جديدا ولا يعمل فيها مزقتم لاضافتها اليه ولا ينبئكم لان التنبئة لم تقع وقت التمزيق بل تقدمت ولا جديد لان ما بعد انّ لا يعمل فيما قبلها أَفْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً فيما قاله وهذا ايضا من كلام الكفار واصل افترى أافترى بهمزة الاستفهام المفتوحة الداخلة على همزة الوصل المكسورة للانكار والتعجب فحذفت همزة الوصل تخفيفا مع عدم اللبس والفرق بين الافتراء والكذب ان الافتراء هو افتعال الكذب من قول نفسه والكذب قد يكون على وجه التقليد للغير فيه ومعنى الافتراء بالفارسية [دروغ بافتن] اى اختلق محمد على الله كذبا أَمْ بِهِ جِنَّةٌ [يا بدو جنونى هست] اى جنون يوهمه ذلك ويلقيه على لسانه من غير قصد والجنون حائل بين النفس والعقل وهذا حصر للخبر الكاذب بزعمهم فى نوعيه وهما الكذب على عمد وهو المعنىّ بالافتراء والكذب لا عن عمد وهو المعنىّ بالجنون فيكون معنى أم به جنة أم لم يفتر فعبر عن عدم الافتراء بالجنة لان المجنون لا افتراء له لان الكذب عن عمد ولا عمد للمجنون فالاخبار حال الجنة قسيم للافتراء الأخص لا الكذب الأعم ثم أجاب الله عن ترديدهم فقال بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ اى ليس محمد من الافتراء والجنون فى شىء كما زعموا وهو مبرأ منهما بل هؤلاء القائلون الكافرون بالحشر والنشر واقعون فِي الْعَذابِ فى الآخرة وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ فى الدنيا اى البعيد عن الصواب والهدى بحيث لا يرجى الخلاص منه ووصف الضلال بالبعد على الاسناد المجازى للمبالغة إذ هو فى الأصل وصف الضال لانه الذي يتباعد عن المنهاج المستقيم وكلما ازداد بعدا عنه كان أضل وتقديم العذاب على ما يوجبه ويؤدى اليه وهو الضلال للمسارعة الى بيان ما يسوؤهم وجعل العذاب والضلال محيطين بهم احاطة الظرف بالمظروف لان اسباب العذاب معهم فكأنهم فى وسطه ووضع الموصول موضع ضميرهم للتنبيه على ان علة ما اجترءوا عليه كفرهم بالآخرة وما فيها فنون العقاب ولولاه لما فعلوا ذلك خوفا من غائلته وحاصل الآية اثبات الجنون الحقيقي لهم فان الغفلة عن الوقوع فى العذاب وعن الضلال الموجب لذلك جنون أي جنون واختلال عقل أي اختلال إذ لو كان فهمهم وادراكهم تاما وكاملا لفهموا حقيقة الحال ولما اجترءوا على سوء المقال قال بعض الكبار كما ان الطفل الصغير يسبى الى بعض البلاد فينسى وطنه الأصلي بحيث لو ذكر به لم يتذكر كذلك نفس الإنسان القاسي قلبه ان ذكر بالآخرة وهو وطنه الأصلي لم يتذكر ويكفر به ويقول مستهزئا ما يقول ولا يتفكر ان اجزاءه كانت متفرقة حين كان هو ذرة أخرجت من صلب آدم كيف جمع الله

<<  <  ج: ص:  >  >>