للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غيره ضاع سعيه وانه رأس كل حكمة وملاكها ومن عدمه لم ينفعه علومه وحكمه وان بدّ فيها أساطين الحكماء وحك بيافوخه عنان السماء وما اغنت عن الفلاسفة اسفار الحكم وهم عن دين الله أضل من النعم وقدرتب عليه ما هو عائدة الإشراك فى الدنيا حيث قيل فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَخْذُولًا ورتب عليه هاهنا نتيجته فى العقبى فقيل فَتُلْقى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً تلوم نفسك وتذمك وتلومك الناس والملائكة مَدْحُوراً مطرودا مبعدا من رحمة الله ومن كل خير وهو تمثيل فانه تعالى شبه من أشرك بالله استحقارا له بخشبة يأخذها آخذ فى كفه فيطرحها فى التنور فالتوحيد اصل الحسنات والشرك اصل السيئات قال اهل التحقيق ان كلمة لا اله الا الله إذا قالها الكافر تنفى ظلمة الكفر وتثبت فى قلبه نور التوحيد وإذا قالها المؤمن تنفى عنه ظلمة النفس وتثبت فى قلبه نور الوحدانية وان من قالها فى كل يوم الف مرة فبكل مرة تنفى عنه شيأ لم تنفه المرة الاولى ومقام العلم بالله لا ينتهى الى الابد قال تعالى وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً

اى برادر بي نهايت در كهيست ... هر كجا كه ميرسى بالله مأيست

قال يحيى بن معاذ رحمه الله ما طابت الدنيا الا بذكرك ولا الآخرة الا بعفوك ولا الجنة الا بلقائك وفى الحديث (الدنيا ملعونة ملعون ما فيها الا ذكر الله وما والاه وعالم او متعلم) والتوحيد اثبات الوحدة فاهله على الكمال من يفر من الكثرة الى الوحدة قال الشيخ ابو الحسن رحمه الله سمعت وصف ولىّ فى جبل فبت عند باب صومعته ليلة فسمعته يقول الهى ان بعض عبادك طلب منك تسخير الخلق فاعطيته مراده وانا أريد منك ان لا يحسنوا معاملتهم معى حتى لا التجئ الا الى حضرتك حققنا الله وإياكم بحقائق هذا المقام وشرفنا بالفرار كل لحظة الى جنابه العلام ومعنى الفرار إيثاره تعالى على ما سواه لان علو الهمة انما يظهر فيه- حكى- ان سلطانا كان يحب واحدا من وزرائه اكثر من غيره فحسدوه وطعنوا فيه فاراد السلطان ان يظهر حاله فى الحب فاضافهم فى دار مزينة بانواع الزينة ثم قال ليأخذ كل منكم ما أعجبه فى الدار فاخذ كل منهم ما أعجبه من الجواهر والمتاع وأخذ الوزير المحسود السلطان وقال ما أعجبني الا أنت: قال الحافظ

كداى كوى تو از هشت خلد مستغنيست ... أسير عشق تو از هر دو كون آزادست «١»

يعنى ان العاشق الصادق لا يختار الا المعشوق ويصير حرا عن هوى غيره على كل حال أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِناثاً خطاب للقائلين بان الملائكة بنات الله وكان المشركون يستنكفون من البنات فيختارون لانفسهم الذكور ومع ذلك ينسبون اليه تعالى الإناث فانكر الله ذلك منهم. والاصفاء بالشيء جعله خالصا والهمزة للانكار والفاء للعطف على مقدر يفسره المذكور وعبر عن البنات بالإناث إظهارا لجهة خساستهن لان الأنوثة اخس أوصاف الحيوان. والمعنى أفضلكم على جنابه فخصكم بأفضل الأولاد على وجه الخلوص وآثر لذاته أخسها وأدناها كما فى قوله تعالى أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى اى هذا خلاف الحكمة وما عليه عقولكم وعادتكم فان العبيد لا يؤثرون بأجود الأشياء وأصفاها من الشوب ويكون


(١) فلم أجد فى المتنوى فليراجع

<<  <  ج: ص:  >  >>