اذكر لك ما جرى فكتمت الحال فتاب الرجل واستغفر وتضرع الى الحق واعتدت المرأة ثم جدد العقد عليها ومن رأى الحق تعالى فى صورة يردها الدليل لزم ان يعبر تلك الصورة التي توجب النقصان ويردها الى الصورة الكمالية التي جاء بها الشرع فما لم يكن عليه لا ينسب اليه تعالى كما فى الأسماء فما لم يطلق الشرع عليه ما لنا ان ننسبه اليه وتلك الصورة التي ردها الدليل وجعلها مفتقرة الى التعبير ما فى حق حال الرائي يحسب مناسبته لتلك الصورة المردودة او المكان الذي يراه فيه او فى حقهما معا- حكى- ان بعض الصالحين فى بلاد الغرب رأى الحق تعالى فى المنام فى دهليز بيته فلم يلتفت اليه فلطمه فى وجهه فلما استيقظ قلق قلقا شديدا فاخبر الشيخ الأكبر قدس سره بما رأى وفعل فلما رأى الشيخ ما به من القلق العظيم قال له اين رأيته قال فى بيت لى قد اشتريته قال الشيخ ذلك الموضع مغصوب وهو حق للحق المشروع اشتريته ولم تراع حاله ولم تف بحق الشرع فيه فاستدركه فتفحص الرجل عن ذلك فاذا هو من وقف المسجد وقد بيع بغصب ولم يعلم الرجل ولم يلتفت الى امره فلما تحقق رده الى وقف المسجد واستغفر الله ولعل الشيخ علم من صلاح الرائي وشدة قلقه انه ليس من قبيل الرائي فسأله عن المكان الذي رأى فيه فمثل هذا إذا رؤى يجب تأويله. واما إذا كان التجلي فى الصورة النورية كصورة الشمس او غيرها من صور الأنوار كالنور الأبيض والأخضر وغير ذلك أبقينا تلك الصورة المرئية على ما رأينا كما نرى الحق فى الآخرة فان تلك الرؤية تكون على قدر استعدادنا فافهم المراتب والمواطن حتى لا تزل قدمك عن رعاية الظاهر والباطن وقد جاء فى الحديث (ان الحق يتجلى بصورة النقصان فينكرونه ثم يتحول ويتجلى بصورة الكمال والعظمة فيقبلونه ويسجدون له) فمن صورة مقبولة ومن صورة مردودة فما يحتاج الى التعبير ينبغى ان لا يترك على حاله فان موطن الرؤيا وهو عالم المثال يقتضى التعبير ولذا قال ملك مصر أَفْتُونِي فِي رُءْيايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ قالُوا استئناف بيانى فكأنه قيل فماذا قال الملأ للملك فقيل قالوا هى أَضْغاثُ أَحْلامٍ تخاليطها اى أباطيلها وأكاذيبها من حديث نفس او وسوسة شيطان فان الرؤيا ثلاث رؤيا من الله ورؤيا تحزين من الشيطان ورؤيا مما حدث المرء نفسه على ما ورد فى الحديث. والأضغاث جمع ضغث قال فى القاموس الضغث بالكسر قبضة حشيش مختلطة الرطب باليابس وأضغاث أحلام رؤيا لا يصح تأويلها لاختلاطها انتهى.
والأحلام جمع حلم بضم اللام وسكونها وهى الرؤيا الكاذبة لا حقيقة لها لقوله عليه السلام الرؤيا من الله والحلم من الشيطان واضافة الاضغاث الى الأحلام من قبيل لجين الماء وهو الظاهر كما فى حواشى سعد المفتى وجمعوا الضغث مع ان الرؤيا واحدة مبالغة فى وصفها بالبطلان فان لفظ الجمع كما يدل على كثرة الذوات يدل ايضا على المبالغة فى الاتصاف كما تقول فلان يركب الخيل لمن لا يركب إلا فرسا واحدا او لتضمنها أشياء مختلفة من السبع السمان والسبع العجاف والسنابل السبع الحضر والآخر اليابسات فتأمل حسن موضع الأضغاث مع السنابل فله در شأن التنزيل وَما نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلامِ اى المنامات الباطلة التي لا اصل لها بِعالِمِينَ لا لان لها تأويلا ولكن لا نعلمه بل لانه لا تأويل لها وانما التأويل للمنامات