ان الناقص الضعيف استولى على الكامل القوى فشهدت فطرته بان هذه الرؤيا صورة شر عظيم يقع فى المملكة الا انه ما عرف كيفية الحال فيه فاشتاق ورغب فى تحصيل المعرفة بتعبير رؤياه فجمع اعيان مملكته من العلماء والحكماء فقال لهم يا أَيُّهَا الْمَلَأُ فهو خطاب للاشراف من العلماء والحكماء او للسحرة والكهنة والمنجمين وغيرهم كما قال الكاشفى [اى گروه كاهنان ومعبران واشراف قوم] أَفْتُونِي فِي رُءْيايَ هذه اى عبروها وبينوا حكمها وما يؤول اليه من العاقبة. وبالفارسية [فتوى دهيد يعنى جواب گوييد مرا] إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ اى تعلمون عبارة جنس الرؤيا علما مستمرا وهى الانتقال من الصور الخيالية المشاهدة فى المنام الى ما هى صور امثلة لها من الأمور الآفاقية والانفسية الواقعة فى الخارج فالتعبير والعبارة الجواز من صورة ما رأى الى امر آخر من العبور وهى المجاوزة وعبرت الرؤيا اثبت من عبرتها تعبيرا واللام للبيان كأنه لما قيل كنتم تعبرون قيل لأى شىء فقيل للرؤيا وهذه اللام لم تذكر فى بحث اللامات فى كتب النحو واعلم ان الرؤيا تطلب التعبير لان المعاني تظهر فى الصور الحسية منزلة على المرتبة الخيالية. واما ابراهيم عليه السلام فقد جرى على ظاهر ما ارى فى ذبح ابنه لان شأن مثله ان يعمل بالعزيمة دون الرخصة ولو لم يفعل ذلك لما ظهر للناس تسليمه وتسليم ابنه لامر الحق تعالى- وحكى- ان الامام تقى ابن مخلد صاحب المسند فى الحديث رأى النبي صلى الله عليه وسلم فى المنام وقد سقاه لبنا فلما استيقظ استقاء وقاء لبنا اى ليعلم حقيقة هذه الرؤيا وتحقيق قوله عليه السلام (من رآنى فى المنام فقدر آنى فى اليقظة فان الشيطان لا يتمثل على صورتى) ولو عبر رؤياه لكان ذلك اللبن علما فحرمه الله علما كثيرا على قدر ما شرب من اللبن ثم قاء ووجه كون اللبن علما انه أول ما يظهر بصورة الحياة ويغتذى به الحيوان فيصير حيا كما ان العلم أول ما يتعين به الذات فيظهر عالما ثم ان رآه عليه السلام أحد فى المنام بصورته التي مات عليها من غير نقصان من اجزائه ولا تغير فى هيئته فانه يأخذ عنه جميع ما يأمره به او ينهاه او يخبره من غير تعبير وتأويل كما كان يأخذ عنه من الاحكام الشرعية لو أدركه فى الحياة الدنيا الا ان يكون اللفظ مجملا فانه يؤوله فان أعطاه شيأ فى المنام فان ذلك الشيء هو الذي يدخله التعبير فان خرج فى الحس كما كان فى الخيال فتلك الرؤيا لا تعبير لها- وحكى- ان رجلا من الصلحاء رأى فى المنام انه لطم النبي عليه السلام فانتبه فزعا وهاله ما رأى مع جلالة النبي عليه السلام عنده فاتى بعض الشيوخ فعرض عليه رؤياه فقال له الشيخ اعلم انه عليه السلام أعظم من ان يكون عليه يدلك او لغيرك والذي رأيته لم يكن النبي عليه السلام انما هو شرعه قد أخللت بحكم من أحكامه وكون اللطم فى الوجه يدل على انك ارتكبت امرا محرما من الكبائر فافتكر الرجل فى نفسه فلم يذكر انه اقدم على محرم من الكبائر وكان من اهل الدين ولم يتهم الشيخ فى تعبيره لعلمه باصابته فيما كان يعبره فرجع الى بيته حزينا فسألته زوجته عن سبب حزنه فاخبرها برؤياه وتعبير الشيخ فتعجبت الزوجة وأظهرت التوبة وقالت انا أصدقك كنت حلفت انى ان دخلت دار فلان أحد معارفك فانى طالق فعبرت على بابهم فحلفوا علىّ فاستحييت من الحاحهم