للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فاذا حصل المقصود ووصل العابد الى المعبود فحينئذ يصح منه بالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين الآية لان الإحسان صفات الله تعالى لقوله تعالى الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ والاساءة من صفات الإنسان لقوله إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ فالعبد لا يصدر منه الإحسان الا ان يكون متخلقا بأخلاق نفسه كما قال تعالى ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وفيه اشارة اخزى وهى ان شرط العبودية الإقبال على الله بالكلية والاعراض عما سواه ولا يصدر منه الإحسان الا إذا اتصف بأخلاق الله حتى يخرج من عهدة العبودية بالوصول الى حضرة الربوبية فتفنى عنك به وتبقى به للوالدين وغيرهما محسنا لاحسانه بلا شرك ولا رياء فان الشرك والرياء من بقاء النفس ولهذا قال عقيب الآية إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالًا فَخُوراً لان الاختيال والفخر من أوصاف النفس والله تعالى لا يحب النفس ولا أوصافها لان النفس لا تحب الله ولا المحبة من أوصافها فانها تحب الدنيا وزخارفها وما يوافق مقتضاها قال صلى الله عليه وسلم (الشرك أخفى فى ابن آدم من دبيب النملة على الصخرة الصماء فى الليلة الظلماء) ومن خدم مخلوقا خوفا من مضرته او طمعا فى منفعته فقد أشرك عملا

كه داند چودر بند حق نيستى ... اگر بى وضو در نماز ايستى

بروى ريا خرقه سهلست دوخت ... كرش با خدا در توانى فروخت

اگر جز بحق ميرود جاده ات ... در آتش فشانند سجاده ات

قال تعالى وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً يعنى الأعمال التي عملوها لغير وجه الله أبطلنا ثوابها وجعلناها كالهباء المنثور وهو الغبار الذي يرى فى شعاع الشمس وجاء رجل الى النبي عليه السلام فقال يا رسول الله انى أتصدق بالصدقة فالتمس بها وجه الله تعالى وأحب ان يقال لى فيه خير فنزل قوله تعالى فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ يعنى من خاف المقام بين يدى الله تعالى ويريد ثوابه فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً رزقنا الله وإياكم الإخلاص الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بما منحوا به وهو مبتدأ خبره محذوف اى أحقاء بكل ملامة وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ به اى بما منحوا به عطف على ما قبله وَيَكْتُمُونَ ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ اى من المال والغنى وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً وضع الظاهر موضع المضمر اشعار بان من هذا شأنه فهو كافر بنعمة الله ومن كان كافرا بنعمة الله فله عذاب يهينه كما أهان النعمة بالبخل والإخفاء. والآية نزلت فى طائفة من اليهود كانوا يقولون للانصار بطريق النصيحة لا تنفقوا أموالكم فانا نخشى عليكم الفقر وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئاءَ النَّاسِ اى للفخار وليقال ما أسخاهم وما أجودهم لا لابتغاء وجه الله وهو عطف على الذين يبخلون ورئاء الناس مفعوله وانما شاركهم فى الذم والوعيد لان البخل والسرف الذي هو الانفاق فيما لا ينبغى من حيث انه طرفا تفريط وافراط سواء فى القبح واستتباع الذم واللوم وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ ليحوزوا بالإنفاق مراضيه وثوابه وهم مشركوا مكة المنفقون أموالهم فى عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطانُ لَهُ قَرِيناً فَساءَ قَرِيناً

<<  <  ج: ص:  >  >>