للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشيء امنيه إذا قضيته وسمى المنى منيا لان الخلق منه يقضى أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ اى تقدرونه وتصورونه بشرا سويا في بطون النساء ذكرا او أنثى أَمْ نَحْنُ الْخالِقُونَ له من غير دخل شيء فيه وأم قيل منقطعة لان ما بعدها جملة فالمعنى بل أنحن الخالقون على ان الاستفهام للتقرير وقيل متصلة ومجيئ الخالقون بعد نحن بطريق التأكيد لا بطريق الخبرية أصالة وفيه اشارة الى معنى ان وقوع نطف الأعمال والافعال وموادها في أرحام قلوبكم ونفوسكم بخلقي وإرادتي لا بخلقكم وارادتكم ففيه تخصيص مواد لخواطر المقتضية للافعال والأعمال والأقوال الى نفسه وقدرته وسلبها عن الخلق نَحْنُ قَدَّرْنا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ اى قسمناه عليكم ووقتنا موت كل أحد بوقت معين حسبما تقتضيه مشيئتنا المبنية على الحكم البالغة فمنهم من يموت صغيرا ومنهم من يموت كبيرا يقول الفقير قيل لى في بعض الاسحار اصبر ولا يكون الا ما قدر الله تعالى فمرضت بعد ايام ابنتي امة الله حتى ماتت جعلها الله فرطا وذخرا وشافعة ومشفعة وقد ثبت ان ابراهيم عليه السلام تعلق باسمعيل فابتلى بذبحه وكذا يعقوب عليه السلام تعلق بيوسف فابتلى بالفراق فهذه كلها مقادير يحب الرضى بها وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ اى انا قادرون عَلى أَنْ نُبَدِّلَ

منكم أَمْثالَكُمْ

لا يغلبنا أحد على أن نذهبكم ونأتى مكانكم بأشباهكم من الخلق يقال سبقته على كذا اى غلبته عليه وغلب فلان فلانا على الشيء إذا اخذه منه بالغلبة وَنُنْشِئَكُمْ فِي ما لا تَعْلَمُونَ

من الخلق والأطوار لا تعهدون بمثلها وقال الحسن البصري رحمه الله اى نجعلكم قردة وخنازير كمن مسخ قبلكم ان لم تؤمنوا برسلنا يعنى لسنا عاجزين عن خلق أمثالكم بدلا منكم ومسخكم من صوركم الى غيرها ويحتمل ان الآية تنحو الى الوعيد فالمراد اما انشاؤهم فى خلق لا يعلمونها أو صفات لا يعلمونها يعنى كيفيات من الألوان والاشكال وغيرها وفي الحديث (ان اهل الجنة جرد مرد وان الجهنمى ضر سه مثل أحد) وفي الآية اشارة الى ان الله تعالى ليس بعاجز عن تبديل الصفات البشرية بالصفات الملكية وجعل السالكين مظهر الصفات غير صفاتهم التي هم عليها إذ توارد الصفات المختلفة المتباينة على نفس واحدة على مقتضى الحكمة البالغة ليس من المحال ألا ترى الى الجوهر الواحد فانه يصير تارة فضة واخرى ذهبا بطرح الإكسير وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ اى الخلقة الْأُولى هى خلقتهم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة وقيل هى فطرة آدم من التراب فَلَوْلا تَذَكَّرُونَ فهلا تتذكرون ان من قدر عليها قدر على النشأة الاخرى حتما فانها اقل صنعا لحصول المواد وتخصص الاجزاء وسبق المثال

آنكه ما را ز خلوت نابود ... مى كشد تا بجلوه كاه وجود

بار ديكر كه از سموم هلاك ... روى پوشيم زير پرده خاك

هم تواند بامر كن فيكون ... كارد از كوشه لحد بيرون

وفي الخبر عجبا كل العجب للمكذب بالنشأة الآخرة وهو يرى النشأة الاولى وعجبا للمصدق بالنشأة الآخرة وهو يسعى لدار الغرور وفي الآية دليل على صحة القياس حيث جهلهم

<<  <  ج: ص:  >  >>