مسارعين فى موالاتهم ومعاونتهم وإيثار فى على الى للدلالة على انهم مستقرون فى الموالاة وانما مسارعتهم من بعض مراتبها الى بعض آخر منها والمراد بهم عبد الله بن ابى واضرابه الذين كانوا يسارعون فى موادة اليهود ونصارى نجران وكانوا يعتدرون الى المؤمنين بانهم لا يؤمنون ان تصيبهم صروف الزمان كما قال تعالى يَقُولُونَ معتذرين نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ وهو حال من ضمير يسارعون والدائرة من الصفات الغالبة التي لا يذكر معها موصوفها اى يدور علينا دائرة من دوائر الدهر ودولة من دوله بان ينقلب الأمر وتكون الدولة للكفار وقيل نخشى ان يصيبنا مكروه من مكاره الدهر كالجدب والقحط فلا يعطونا الميرة والقرض ولعلهم كانوا يظهرون للمؤمنين انهم يريدون بالدوائر المعنى الأخير ويضمرون فى أنفسهم المعنى الاول فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ رد من جهة الله تعالى لعللهم الباطلة وقطع لاطماعهم الفارغة وتبشير للمؤمنين بالظفر فان عسى منه سبحانه وعد محتوم لما ان الكريم إذا أطمع اطعم لا محالة فما ظنك بأكرم الأكرمين. والمراد بالفتح فتح مكة او فتح قرى اليهود من خيبر وفدك او هو القضاء الفصل بنصره عليه السلام على من خالفه وإعزاز الدين. قال الحدادي وسمى النصر فتحا لان فيه فتح الأمر المغلق أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ بقطع شأفة اليهود من القتل والاجلاء. والشأفة قرحة تخرج فى أسفل القدم فتكوى وتذهب يقال فى المثل استأصل الله شأفته اى أذهبه الله كما ذهب تلك القرحة بالكي فَيُصْبِحُوا اى أولئك المنافقون المتعللون بما ذكر عَلى ما أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نادِمِينَ وهو ما كانوا يكتمون فى أنفسهم من الكفر والشك فى امره صلى الله عليه وسلم وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا عند ظهور ندامة المنافقين وهو كلام مبتدأ مسوق لبيان كمال سوء حال الطائفة المذكورة اى ويقول الذين آمنوا مخاطبين لليهود مشيرين الى المنافقين الذين كانوا يوالونهم ويرجون دولتهم ويظهرون لهم غاية المحبة وعدم المفارقة فى السراء والضراء عند مشاهدتهم لخيبة رجائهم وانعكاس تقريرهم بوقوع ضد ما كانوا يترقبون ويتعللون به تعجيبا للمخاطبين من حالهم وتعريضا بهم أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ اى بالنصرة والمعونة كما قالوا فيما حكى عنهم وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ فاسم الاشارة مبتدأ وما بعده خبره والمعنى انكار ما فعلوه واستبعاده وتخطئتهم فى ذلك والخطاب فى معكم لليهود من جهة المؤمنين. وجهد الايمان أغلظها وهو فى الأصل مصدر ونصبه على تقدير واقسموا بالله يجهدون جهد ايمانهم فحذف الفعل وأقيم المصدر مقامه ولا يبالى بتعريفه لفظا لانه مأول بنكرة اى مجتهدين فى ايمانهم او على المصدر اى اقسموا اقسام اجتهاد فى اليمين حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خاسِرِينَ جملة مستأنفة مسوقة من جهته تعالى لبيان مآل ما صنعوه من ادعاء الولاية والاقسام على المعية فى المنشط والمكره أثر الاشارة الى بطلانه بالاستفهام الإنكاري اى بطلت أعمالهم التي عملوها فى شأن الموالاة وسعوا فى ذلك سعيا بليغا حيث لم يكن لليهود دولة فغبنوا بما صنعوا من المساعى وتحملوا من مكاره المشاق: قال الحافظ
اسم أعظم بكند كار خود اى دل خوش باش ... كه بتلبيس وحيل ديو سليمان نشود