للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من الخذلان واهل الجفاء فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ يقول الفقير اى إذا تبين عندك يا محمد احوال القرون الاولى وان اخوانك الأنبياء ومؤمنيهم تحملوا من قومهم الأذى وصبروا واستقاموا على طريقتهم المثلى الى ان يأتى امر الله تعالى فدم أنت ايضا على الاستقامة على التوحيد والدعوة اليه كما أمرك الله تعالى وَمَنْ تابَ مَعَكَ معطوف على المستكن فى فاستقم من غير تأكيد بالمنفصل لوجود الفاصل القائم مقامه اى ومن تاب من الشرك والكفر وشاركك فى الايمان هو المعنى بالمعية والا فليس لهم مصاحبة له فى التوبة عما ذكر إذا الأنبياء معصومون عن الكفر وكذا عن تعمد الكبائر قبل الوحى وبعده بالإجماع لكن الظاهر ان الاشتراك فى نفس التوبة يكفى فى الاصطحاب ولا يلزم الاشتراك فى المتوب عنه وقد كان عليه السلام يستغفر الله كل يوم اكثر من سبعين مرة على ما ورد فى الحديث كذا فى حواشى سعدى المفتى يقول الفقير لعل التوبة فى مثل هذا المقام هى الرجوع عن الحالة الاولى ومفارقتها سواء صدر فيها الكفر كسجود الصنم وغيره وهو حال اكثر المؤمنين او لم يصدر وهو حال الأقلين ومنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد صح انه عليه السلام شهد بان عليا رضى الله عنه لم يكفر بالله قط طرفة عين مع قوله له فى دعوة الإسلام (وأدعوك الى الكفر باللات والعزى) فان هذا القول لا يقتضى كفره رضى الله عنه إذ قد يدعى الرجل الى كفر ما لم يتصف به إذا كان من شأنه الكفر به والإنكار عليه وَلا تَطْغَوْا اى ولا تنحرفوا عما حد لكم بافراط وتفريط فان كلا طرفى قصد الأمور ذميم. وانما سمى ذلك طغيانا وهو تجاوز الحد تغليظا او تغليبا لحال سائر المؤمنين على حاله. وفى سورة شورى وَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ والنهيان متقاربان إذ المراد عدم الاتباع لاهواء اهل الكفر لان فى الاتباع الطغيان وفى عدمه الاستقامة المحضة إِنَّهُ اى الله تعالى بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ عالم لا يخفى عليه شىء فيجازيكم على ذلك فاتقوه فى المحافظة على حدوده وهو فى معنى التعليل للامر والنهى وعن بعض الصلحاء وهو ابو على السنوسى رضى الله عنه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فى النوم فقلت له روى عنك انك قلت (شيبتنى سورة هود) فقال نعم فقلت فما الذي شيبك منها أقصص الأنبياء وهلاك الأمم قال لا ولكن قوله فاستقم كما أمرت وذلك لان حقيقة الاستقامة هى الوفاء بالعهود كلها وملازمة الصراط المستقيم برعاية حد التوسط فى كل الأمور من الطعام والشراب واللباس فى كل امر دينى ودنيوى ترغيب او ترهيب او حال او حكم او صفة او معاملة وذلك هو الصراط المستقيم كالصراط المستقيم فى الآخرة والتمشى على هذا الصراط الذي يقال لها الاستقامة الاعتدالية عسير جدا كما قال فى بحر العلوم الاستقامة على جميع حدود الله على الوجه الذي امر الله بالاستقامة عليه مما يكاد يخرج عن طوق البشر ولذلك قال عليه السلام (شيبتنى سورة هود) ولن يطيق مثل هذه المخاطبة بالاستقامة الا من أيد بالمشاهدات القوية والآثار الصادقة ثم بالتثبت كما قال لَوْلا أَنْ ثَبَّتْناكَ ثم حفظ وقت المشاهدة ومشافهة الخطاب ولولا هذه المقدمات لتفسخ دون هذا الخطاب ألا تراه كيف قال للامة (استقيموا ولن تحصوا) اى لن تطيقوا الاستقامة التي أمرت بها قيل لمحمد بن فضل حاجة

<<  <  ج: ص:  >  >>