عَلَّمَهُ اى القرآن الرسول اى نزل به عليه وقرأه عليه وبينه له هذا على أن يكون الوحى بمعنى الكتاب وان كان بمعنى الإلهام فتعليمه بتبليغه الى قلبه فيكون كقوله نزل به الروح الامين على قلبك شَدِيدُ الْقُوى من اضافة الصفة الى فاعلها مثل حسن الوجه والموصوف محذوف اى ملك شديد قواه وهو جبريل فانه الواسطة في ابداء الخوارق ويكفيك دليلا على شدة قوته انه قلع قرى قوم لوط من الماء الأسود الذي تحت الثرى وحملها على جناحه ورفعها الى السماء حتى سمع اهل السماء نباح الكلاب وصياح الديكة ثم قلبها وصاح بثمود صيحة فاصبحوا جاثمين ورأى إبليس يكلم عيسى عليه السلام على بعض عقبات الأرض المقدسة فنفخه نفخة بجناحه يعنى باد زد ويرا بجناح خود بادى وألقاه في أقصى جبل في الهند وكان هبوطه على الأنبياء عليهم السلام وصعوده في اسرع من رجعة الطرف ذُو مِرَّةٍ اى حصافة يعنى استحكام في عقله ورأيه ومتانة في دينه قال الراغب أمررت الحبل إذا فتلته والمرير والممر المفتول ومنه فلان ذو مرة كأنه محكم الفتل وفي القاموس المرة بالكسر قوة الخلق وشدة والجمع مرر وإمرار والعقل والاصالة والاحكام والقوة وطاقة الحبل كالمريرة وذو مرة جبريل عليه السلام والمريرة الحبل الشديد الفتل فَاسْتَوى عطف على علمه بطريق التفسير فانه الى قوله ما اوحى بيان لكيفية التعليم اى فاستقام جبريل واستقر على صورته التي خلقه الله عليها وله ستمائة جناح موشحا اى مزينا بالجواهر دون الصورة التي كان يتمثل بها كلما هبط بالوحى كصورة دحية امير العرب وكما اتى ابراهيم عليه السلام في صورة الضيف وداود عليه السلام في صورة الخصم وذلك ان رسول الله صلّى الله عليه وسلم أحب أن يراه في صورته التي جبل عليها وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بجبل حرآء وهو الجبل المسمى بجبل النور في قرب مكة فقال ان الأرض لا تسعنى ولكن انظر الى السماء فطلع له جبريل من المشرق فسد الأرض من المغرب وملأ الأفق فخر رسول الله كما خر موسى في جبل الطور فنزل جبريل في صورة الآدميين فضمه الى نفسه وجعل يمسح الغبار عن وجهه وذلك فان الجسد وهو في الدنيا لا يتحمل رؤية ما هو خارج عن طور العقل فمنها رؤية الملك على صورة جبل عليها وأعظم منها رؤية الله تعالى في هذه الدار قيل ما رآه أحد من الأنبياء في صورته غير نبينا عليه السلام فانه رآه فيها مرتين مرة في الأرض ومرة في السماء ليلة المعراج عند سدرة المنتهى لما سيأتى (وروى) ان حمزة بن عبد المطلب رضى الله عنه قال يا رسول الله أرنى جبرائيل في صورته فقال انك لا تستطيع أن تنظر اليه قال بلى يا رسول الله أرنيه فقعد ونزل جبرائيل على خشبة في الكعبة كان المشركون يضعون ثيابهم عليها إذا طافوا فقال عليه السلام ارفع طرفك يا حمزة فانظر فرفع عينيه فاذا قدماه كالزبرجد الأخضر فخر مغشيا عليه (وروى) انه رآه على فرس والدنيا بين كلكلها وفي وجهه أخدود من البكاء لو ألقيت السفن فيه لجرت وانما رآه عليه السلام مرتين ليكمل له الأمر مرة في عالم الكون والفساد واخرى في المحل الأنزه الأعلى وانما قام بصورته ليؤكدان ما يأتيه فى صورة دحية هو هو فانه إذا رآه في صورة نفسه عرفه حق معرفته ولم يبق عليه اشتباه