للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فان العنيد قبل الحاجة اليه أرد لشغب الخصم الألد وقبل الرمي يراش السهم وهو مثل يضرب فى تهيئة الآلة قبل الحاجة إليها ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها ما استفهامية انكارية مرفوعة المحل على الابتداء ووليهم خبره والجملة في موضع النصب بالقول يقال تولى عن ذلك اى انصرف وولى غيره اى صرفه والقبلة في الأصل الحالة التي عليها الإنسان من الاستقبال فنقلت في عرف الشرع الى الجهة التي يستقبلها الإنسان للصلاة وهي من المقابلة وسميت قبلة لان المصلى يقابلها والمعنى أي شىء صرفهم وحولهم عن قبلتهم التي كانوا على التوجه إليها وهي بيت المقدس ولم انصرفوا منها الى الكعبة- روى- ان النبي عليه السلام صلى الى نحو بيت المقدس بعد مقدمه المدينة نحوا من سبعة عشر شهرا تأليفا لقلوب اليهود ثم صارت الكعبة قبلة المسلمين الى نفخ الصور قُلْ كأنه قيل فماذا أقول عند ذلك فقيل قل لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ اى الامكنة كلها والنواحي بأسرها لله تعالى ملكا وتصرفا فلا يستحق شىء منها لذاته ان يكون قبلة حتى يمتنع اقامة غيره مقامه والشيء من الجهات انما يصير قبلة بمجرد ان الله تعالى امر بالتوجه إليها فله ان يأمر في كل وقت بالتوجه الى جهة من تلك الجهات على حسب ألوهيته واستيلائه ونفاذ قدرته ومشيئته فانه لا يسأل عما يفعل بل يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد فاللائق بالمخلوق ان يطيع خالقه ويأتمر بامره من غير ان يتحرى خصوصية في المأمور به زائدة على مجرد كونه مأمورا به فان الطاعة له ليس الا بارتسام امره اى امتثاله لا بتحرى العلل والأغراض الداعية له تعالى الى الأمر لان احكام الله تعالى وأفعاله ليست معللة بالدواعي والأغراض واليهود انما استقبلوا جهة المغرب واتخذوها قبلة اتباعا لهوى أنفسهم حيث زعموا ان موسى عليه السلام كان في جانب المغرب فاكرمه الله تعالى بوحيه وكلامه كما قال الله تعالى وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ والنصارى ايضا اتخذوا جهة المشرق قبلة اتباعا لهواهم حيث زعموا ان مريم عليها السلام حين خرجت من بلدها مالت الى جانب الشرق كما قال الله تعالى وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها مَكاناً شَرْقِيًّا

والمؤمنون استقبلوا الكعبة طاعة لله تعالى وامتثالا لامره لا ترجيحا لبعض الجهات المتساوية بمجرد رأيهم واجتهادهم مع انها قبلة خليل الله تعالى ومولد حبيبه صلى الله تعالى عليه وسلم يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ وهو التوجه الى بيت المقدس تارة والكعبة اخرى ووجه استقامته كونه مشتملا على الحكمة والمصلحة موافقا لهما قال بعض ارباب الحقيقة سمى الطاعنين من اليهود والمشركين والمنافقين سفهاء لاحتجاب عقولهم عن حقية دين الإسلام ولو أدركوا الحق مطلقا لاخلصوه كما أخلص المؤمنون فلم تبق محاجتهم معهم ولو كانت عقولهم رزينة لاستدلت بالآيات وأنكروا التحويل لانهم كانوا معتدين بالجهة فلم يعرفوا التوحيد الوافي بالجهات كلها: قال المولى الجامى

جهان مرآت حسن شاهد ماست ... فشاهد وجهه في كل ذرات

وَكَذلِكَ اشارة الى مفهوم الآية المتقدمة اى كما جعلناكم مهتدين الى الصراط المستقيم جَعَلْناكُمْ توحيد الخطاب في كذلك مع القصد الى المؤمنين لما ان المراد مجرد الفرق بين

<<  <  ج: ص:  >  >>