للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهي ان العبد ينبغى له ان لا يغتر بطول العمر وامتداده ولا بكثرة أمواله وأولاده والله تعالى يقول في أعدائه في حق المعمر ويمدهم وفي حق المال والبنين يحسبون انما نمدهم به من مال وبنين وكان طول العمر لهم خذلانا وكثرة الأموال والأولاد لهم حرمانا ولهم فى مقابلة هذا المد مد قال الله تعالى وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذابِ مَدًّا وقد جعل الله لعدوه في الدنيا مالا ممدودا ولوليه في الآخره ظلا ممدودا وقال الله جل جلاله لمحمد صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج (ان من نعمتى على أمتك انى قصرت أعمارهم كيلا تكثر ذنوبهم وأقللت أموالهم كيلا يشتد فى القيامة حسابهم وأخرت زمانهم كيلا يطول في القبور حبسهم) وروى ان الله تعالى قال لحبيبه ليلة المعراج (يا احمد لا تتزين بلين اللباس وطيب الطعام ولين الوطاء فان النفس مأوى كل شر وهى رفيق سوء كلما تجرها الى طاعة تجرك الى معصية وتخالفك في الطاعة وتطيع لك في المعصية وتطغى إذا شبعت وتتكبر إذا استغنت وتنسى إذا ذكرت وتغفل إذا امنت وهي قرينة للشيطان) كذا في مشكاة الأنوار أُولئِكَ المنافقون المتصفون بما ذكر من الصفات الشنيعة المميزة لهم عمن عداهم أكمل تمييز بحيث صاروا كأنهم حضار مشاهدون على ما هم عليه وما فيه من معنى البعد للايذان ببعد منزلتهم في الشر وسوء الحال ومحله الرفع على الابتداء وخبره قوله الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى اصل الاشتراء بذل الثمن لتحصيل ما يطلب من الأشياء ثم استعير للاعراض عما في يده محصلا به غيره ثم اتسع فيه فاستعمل للرغبة عن الشيء طمعا في غيره وهو هاهنا عبارة عن معاملتهم السابقة المحكية واشتروا الضلالة وهي الكفر والعدول عن الحق والصواب بالهدى وهو الايمان والسلوك في الطريق المستقيم والاستقامة عليه مستعار لاخذها بدلا منه أخذا متصفا بالرغبة فيها والاعراض عنه اى اختاروها عليه واستبدلوها به وأخذوها مكانه وجعل الهدى كأنه في أيديهم لتمكنهم منه وهو الاستعداد به فبميلهم الى الضلالة عطلوه وتركوه والباء تصحب المتروك في باب المعاوضة وهذا دليل على ان الحكم يثبت بالتعاطى من غير تكلم بالإيجاب والقبول فان هؤلاء سموا مشترين بترك الهدى وأخذ الضلال من غير التكلم بهذه المبادلة كما في التيسير فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ ترشيح للمجاز اى ما ربحوا فيها فان الربح مسند الى ارباب التجارة في الحقيقة فاسناده الى التجارة نفسها على الاتساع لتلبسها بالفاعل او لمشابهتها إياه من حيث انها سبب الربح والخسران ودخلت الفاء لتضمن الكلام معنى الشرط تقديره وإذا اشتروا فما ربحوا كما في الكواشي والتجارة صناعة التجار وهو التصدي بالبيع والشراء لتحصيل الربح وهو الفضل على رأس المال وَما كانُوا مُهْتَدِينَ اى الى طريق التجارة فان المقصد منها سلامة رأس المال مع حصول الربح ولئن فات الربح في صفقة فربما يتدارك في صفقة اخرى لبقاء الأصل واما إتلاف الكل بالمرة فليس من باب التجارة قطعا وهؤلاء قد أضاعوا الطلبتين لان رأس مالهم كان الفطرة السليمة والعقل الصرف فلما اعتقدوا هذه الضلالات بطل استعدادهم واختل عقلهم ولم يبق لهم رأس مال يتوسلون به الى درك الحق ونيل الكمال فبقوا خاسرين آيسين من الربح فاقدين الأصل نائين عن طريق التجارة بألف منزل واعلم ان المهتدى

<<  <  ج: ص:  >  >>