حتى لو كان المشاهد في العالم الا على وفي اللوح المحفوظ بل في علم الله تعالى مما تتعلق مشيئة الله بمشاهدة أحد إياه من عباده لشاهده في آن واحد وقد يشاهد الممتنع والمحال وغير المتناهي بنوع مشاهدة كما نجده في وجداننا وكل ذلك من غرائب صنع الله وجعل البعض البصر هاهنا مجازا عن المشاهدة لانه كثيرا ما يكون آلة لمشاهدتها ويكون هو معتبرا باعتبارها حتى لو لاها يكون هو في حكم المفقود وبهذا الاعتبار أورد الابصار في مقام البصائر فقال في تفسيره فاتعظوا وانظروا فيما نزل بهم يا ذوى العقول والبصائر وهذا هو الأليق بشأن الاتعاظ والأوفق لقوله تعالى فاعتبروا يا اولى الألباب إذا للب وهو العقل الخالص عن الكدورات البشرية والبصيرة التي هى عين القلب حين ما كانت مجلوة خاصة بالعقلاء اللائقين للخطاب بالأمر بالاعتبار واما البصر فيوجد في البهائم والبصيرة الغير المجلوة فتوجد في العوام وجعله البعض الآخر على حقيقته فقال في تفسيره فاعتبريا من عاين تلك الوقائع لكن مآل القولين واحد إذ مجرد البصر المعاين لا يفيد الاعتبار بلا بصيرة صحيحة وفي الوسيط معنى الاعتبار النظر في الأمور ليعرف بها شيء آخر من جنسها قال يحيى بن معاذ رحمه الله من لم يعتبر بالمعاينة استغنى عن الموعظة وقد استدل بالآية على حجية القياس من حيث انه أمر بالمجاوزة من حال الى حال وحملها عليها في حكم لما بينهما من المشاركة المقتضية له كما فصل فى الكتب الاصولية وأشار بأهل الكتاب الى يهودى النفس ونصرانى الهوى وانما نسبنا التنصر الى الهوى والتهود الى النفس لغلبة عطلة النفس فان الهوى بالنسبة الى النفس كالروح بالنسبة الى الجسم البدني ولهذا المعنى قيل الهوى روح النفس ينفخ فيها هوى الشهوات الحيوانية ويهوى الى هاوية الجحيم والله تعالى يستأصلها من ديار صفاتها الظلمانية بالصدمة الاولى من قتال الحشر الاول وظنوا ان حصون طباعهم الرديئة تمنعهم عن الانسلاخ من صفاتهم الخسيسة فأتاهم الله بالتجلى القهرى وقذف في قلوب النفس والهوى رعب المفارقة بينهما فان كل واحد منهما كان متمسكا بالآخر تمسك الروح بالبدن وقيام البدن بالروح يخربون بيوت صفاتهم بأيدى أهوائهم المضلة وبقوة أيدى الروح والسر والقلب لغلبة نوريتهم عليها فاعتبروا يا اولى الابصار الذين صار الحق تعالى بصرهم كما قال في يبصر وبي يسمع وبي يبطش الحديث بطوله وَلَوْلا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ حكم عَلَيْهِمُ اى على بنى النضير الْجَلاءَ اى الخروج من أوطانهم على ذلك الوجه الفظيع وقد سبق الكلام في الجلاء ولولا امتناعية وما بعدها مبتدأ فان أن مخففة من الثقيلة اسمها ضمير الشأن المقدر اى ولولا أنه وكتب الله خبرها والجملة في محل الرفع بالابتداء بمعنى ولولا كتاب الله عليهم الجلاء واقع في علمه او في لوحه لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيا بالقتل والسبي كما فعل ببني قريظة من اليهود قال بعضهم لما استحقوا بجرمهم العظيم قهرا عظيما أخذوا بالجلاء الذي جعل عديلا لقتل النفس لقوله تعالى ولو أنا كتبنا عليهم ان اقتلوا أنفسكم او اخرجوا من دياركم ما فعلوه الى قليل منهم مع ان فيه احتمال ايمان بعضهم بعد مدة وايمان من يتولد منهم وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابُ النَّارِ استئناف غير متعلق بجواب لولا إذ لو كان معطوفا