ولم يثبطهم عن معاودتكم بالقتال فانتم اولى بان لا تضعفوا فانكم ترجون من الله مالا يرجون وَتِلْكَ الْأَيَّامُ اشارة الى الأيام الجارية فيما بين الأمم الماضية والآتية كافة لا الى المعهودة خاصة من يوم بدر ويوم أحد بل هى داخلة فيها دخولا أوليا والمراد بها اوقات الظفر والغلبة نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ ونصرفها بينهم نديل لهؤلاء تارة ولهؤلاء اخرى كقول من قال
فيوما علينا ويوما لنا ... ويوما نساء ويوما نسرّ
والمداولة نقل الشيء من واحد الى واحد وقالوا تداولته الأيدي اى تناقلته وليس المراد من هذه المداولة ان الله تعالى تارة ينصر المؤمنين واخرى ينصر الكافرين وذلك لان نصره تعالى منصب شريف فلا يليق بالكافر بل المراد انه تعالى تارة يشدد المحنة على الكفار واخرى على المؤمنين وانه لو شدد المحنة على الكفار فى جميع الأوقات وأزالها عن المؤمنين فى جميع الأوقات لحصل العلم الضروري والاضطراري بان الايمان حق وما سواه باطل ولو كان كذلك لبطل التكليف والثواب والعقاب فلهذا المعنى تارة يسلط الله المحنة على اهل الايمان واخرى على اهل الكفر لتكون الشبهات باقية والمكلف يدفعها بواسطة النظر فى الدلائل الدالة على صحة الإسلام فيعظم ثوابه عند الله ولان المؤمن قد يقدم على بعض المعاصي فيكون اما تشديد المحنة عليه فى الدنيا أدبا له واما تشديد المحنة على الكافر فانه يكون غضبا من الله وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا عطف على علة محذوفة اى نداولها بينكم ليكون من المصالح كيت وكيت وليعلم الله إيذانا بان العلة فيما فعل غير واحدة وانما يصيب المؤمن فيه من المصالح ما لا يعلم وهو اما من باب التمثيل اى ليعاملكم معاملة من يريد ان يعلم المخلصين الثابتين على الايمان من غيرهم او العلم فيه مجاز عن التمييز بطريق اطلاق اسم السبب على المسبب اى ليميز الثابتين على الايمان من غيرهم او هو على حقيقة معتبرة من حيث تعلقه بالمعلوم من حيث انه موجود بالفعل إذ هو الذي يدور عليه فلك الجزاء لا من حيث انه موجود بالقوة فالمعنى ليعلم الله الذين آمنوا علما يتعلق به الجزاء وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ جمع شهيداى ويكرم ناسامنكم بالشهادة وهم شهداء أحد وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ونفى المحبة كناية عن البغض اى يبغض الذين يضمرون خلاف ما يظهرون او الكافرين وهو اعتراض. وفيه تنبيه على انه تعالى لا ينصر الكافرين على الحقيقة وانما يغلبهم أحيانا استدراجا لهم وابتلاء للمؤمنين وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا عطف على يتخذ اى ليصفيهم ويطهرهم من الذنوب ان كانت الدولة عليهم وَيَمْحَقَ الْكافِرِينَ ويهلكهم ان كانت عليهم. والمحقق نقص الشيء قليلا قليلا والمراد بهم الذين حاربوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد وأصروا على الكفر وقد محقهم الله عز وجل جميعا. قال القاشاني ومن فوائد الابتلاء خروج ما فى استعداداتهم من الكمالات الى الفعل كالصبر والشجاعة وقوة اليقين وقلة المبالاة بالنفس واستيلاء القلب عليها والتسليم لامر الله وأمثالها. قال نجم الدين الكبرى وَلا تَهِنُوا يا سائرين الى الله فى السير اليه وَلا تَحْزَنُوا على ما فاتكم من التنعمات الدنيوية والكرامات الاخروية وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ من اهل الدنيا والآخرة فى المقام عند ربكم إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ مصدقين