وَآثَرَ اختار الْحَياةَ الدُّنْيا الفانية التي على جناح الفوات فانهمك فيما متع به فيها ولم يستعد للحياة الآخرة الابدية بالايمان والطاعة فَإِنَّ الْجَحِيمَ التي ذكر شأنها هِيَ لا غيرها وهو ضمير فصل او مبتدأ الْمَأْوى اى مأواه فلا يخرج من النار كما يخرج المؤمن العاصي فالكلام فى حق الكافر لكن فيه موعظة وعبرة موقظة واللام سادة مسد الاضافة للعلم بأن صاحب المأوى هو الطاغي كما فى قولك غض الطرف فانه لا يغض الرجل طرف غيره وذلك لان الخبر إذا كان جملة لا بد فيها من ضمير يربطها بالمبتدأ فسدت اللام مسد العائد لعدم الالتباس فلا احتياج فى مثل هذا المقام الى الرابطة وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ اى مقامه بين يدى مالك أمره يوم الطامة الكبرى يوم يتذكر الإنسان ما سعى وذلك لعلمه بالمبدأ والمعاد فان الخوف من القيام بين يديه للحساب لا بد ان يكون مسبوقا بالعلم به تعالى وفى بعض التفاسير المقام اما مصدر ميمى بمعنى القيام او اسم مكان بمعنى موضع القيام اى المكان الذي عينه الله لان يقوم العباد فيه للحساب والجزاء وقيل المقام مقحم للتأكيد جعل الخوف مقابلا للطغيان مع ان الظاهر مقابلته للانقياد والاطاعة بناء على ان الخوف أول اسباب الاطاعة ثم الرجاء ثم المحبة فالاول للعوام والثاني للخواص والثالث لأخص الخواص وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى عن الميل اليه بحكم الجيلة البشرية ولم يعتد بمتاع الحياة الدنيا وزهرتها ولم يغتر بزخارفها وزينتها علما منه بوخامة عاقبتها والهوى ميلان النفس الى ما تشتهبه وتستلذه من غير داعية الشرع وفى الحديث ان أخوف ما أتخوف على أمتي الهوى وطول الأمل اما الهوى فيصد عن الحق واما طول الأمل فينسى الآخرة قال بعض الكبار الهوى عبارة عن الشهوات السبع المذكورة فى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والانعام والحرث وقد أدرجها الله فى أمرين كما قال انما الحياة الدنيا لعب ولهو ثم أدرجها فى أمر واحد وهو الهوى فى الآية فالهوى جامع لانواع الشهوات فمن تخلص من الهوى فقد تخلص من جميع القيود والبرازخ قال سهل رحمه الله لا يسلم من الهوى الا الأنبياء وبعض الصديقين ليس كلهم وانما يسلم من الهوى من ألزم نفسه الأدب وقال بعضهم حقيقة الإنسان هى نفسه لا شىء زائد عليها وقال تعالى ونهى النفس عن الهوى فمن الناهي لها تأمل انتهى. يقول الفقيران الإنسان برزخ بين الحقيقة الالهية والحقيقة الكونية وكذا بين الحقيقة الملكية والحقيقة الحيوانية فهو من حيث الحقيقة الاولى ينهى النفس من حيث الحقيقة الثانية كما ان النبي عليه السلام يخاطب نفسه بقوله عليه السلام السلام عليك أيها النبي من جانب ملكيته الى جانب بشريته او من مقام جمعه الى مقام فرقه فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى له لا غيرها فنهى النفس عن الهوى معناه نهيها عن جميع الهوى على ان اللام للاستغراق والا فلا معنى للحصر لان المؤمن الفاسق قد يدخل النار اولا ثم يدخل الجنة فلا يصح فى حقه الحصر اللهم الا ان يقال معنى الحصر أن الجنة هى المقام الذي لا يخرج عنه من دخل فيه وفى بعض التفاسير