فسميت حجة مجازا تهكم بهم فَلا تَخْشَوْهُمْ فلا تخافوهم في توجهكم الى الكعبة ومظاهرهم عليكم لسببه فان مطاعنهم لا تضركم شيأ وَاخْشَوْنِي بامتثال امرى فلا تخالفوا امرى وما رأيته مصلحة لكم فانى ناصركم وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ علة لمحذوف اى أمرتكم بتولية الوجوه شطره لا تمامى النعمة عليكم لما انه نعمة جليلة وما وقع من أوامر الله تعالى وتكاليفه وائتمار المكلف بالتوجه الى حيث وجهه الله تعالى وان كان نعمة يتوصل به الى الثواب الجزيل الا ان امره تعالى بالتوجه الى قبلة ابراهيم تمام النعمة في امر القبلة فان القوم كانوا يفتخرون باتباع ابراهيم في جميع ما كانوا يفعلونه فلما وجهوا الى قبلته بعد ما صرفوا عنها لمصلحة حادثة فقد أصابوا تمام النعمة في امر القبلة فان نعمة الله تعالى على عباده ضربان موهوب ومكتسب فالموهوب نحو صحة البدن وسلامة الأعضاء وغيرهما والمكتسب نحو الايمان والعمل الصالح بامتثال الأوامر والاجتناب عن المناهي فان ذلك كله يؤدى الى سعادة الدارين وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ اى ولا رادتى اهتداءكم الى شعائر الملة الحنيفية وشرائع الدين القويم كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ متصل بما قبله اى ولاتم نعمتى عليكم في امر القبلة إتماما كائنا كاتمامى لها بإرسال رسول كائن منكم وهو محمد صلّى الله عليه وسلم فان إرسال الرسول لا سيما المجانس لهم نعمة لم تكافئها نعمة قط يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا وهو القرآن العظيم وَيُزَكِّيكُمْ اى يحملكم على ما تصيرون به أزكياء طاهرين من دنس الذنوب المكدرة لجوهر النفس لان شأن الرسل الدعوة والحث على اعمال يحصل بها طهارة نفوس الامة من الشرك والمعاصي لا تطهيرهم إياهم بمباشرتهم من أول الأمر وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ اى ما في القرآن من المعاني والاسرار والشرائع والاحكام التي باعتبارها وصف القرآن بكونه هدى ونورا فانه عليه السلام كان يتلوه عليهم ليحفظوا نظمه ولفظه فيبقى على ألسنة اهل التواتر مصونا من التحريف والتصحيف ويكون معجزة باقية الى يوم القيامة وتكون تلاوته في الصلاة وخارجها نوعا من العبادة والقربة ومع ذلك كان يعلم ما فيه من الحقائق والاسرار ليهتدوا بهداه وأنواره وَالْحِكْمَةَ هى الاصابة في القول والعمل ولا يسمى حكيما الا من اجتمع له الأمران كذا قال الامام من أحكمت الشيء اى رددته غما لا يعنيه وكأن الحكمة هي التي ترد عن الجهل والخطأ واعلم ان العمل بالقرآن متفرع على معرفة معناه وهو متفرع على معرفة ألفاظه والتزكية غاية اخيرة لانها متفرعة على العمل لكنها قدمت في الذكر نظرا الى تقدمها في التصور وَيُعَلِّمُكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ قال الراغب ان قيل ما معنى ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون وهل ذلك الا الكتاب والحكمة قيل عنى بذلك العلوم التي لا طريق الى تحصيلها الا من جهة الوحى على ألسنة الأنبياء ولا سبيل الى ادراك جزئياتها وكلياتها الا به وعنى بالحكمة والكتاب ما كان للعقل فيه مجال في معرفة شىء منه وأعاد ذكر ويعلمكم مع قوله ما لم تكونوا تعلمون تنبيها على انه مفرد عن العلم المتقدم ذكره فَاذْكُرُونِي بالطاعة لقوله عليه السلام (من أطاع الله فقد ذكر الله وان قلت صلاته وصيامه وقراءته القرآن ومن عصى الله فقد نسى الله وان كثرت صلاته وقراءته القرآن) أَذْكُرْكُمْ بالثواب واللطف والإحسان وافاضة الخير