فى الصور وصيغة الماضي للدلالة على تحقق الوقوع والنفخ نفخ الريح فى الشيء: وبالفارسية [در دميد] والجمهور على اسكان واو الصور وفيه وجهان أحدهما انه القرن الذي ينفخ فيه اسرافيل عليه السلام وفيه بعدد كل روح ثقبة هى مقامه فالمعنى ونفخ فى القرن نفخا هو سبب لحياة الموتى. والثاني جمع صورة كصوف جمع صوفة ويؤيد هذا الوجه قراءة بعض القراء ونفخ فى الصور بفتح الواو فالمعنى ونفخ فى الصور الأرواح وذلك ايضا بنفخ القرن والمراد النفخة الثانية التي يحيى الله بها كل ميت لا النفخة الاولى التي يميت الله بها كل حى وبينهما أربعون سنة تبقى الأرض على حالها مستريحة بعد ما مر بها من الأهوال العظام والزلازل وتمطر سماؤها وتجرى مياهها وتطعم أشجارها ولا حى على ظهرها من المخلوقات فاذا مضى بين النفختين أربعون عاما أمطر الله من تحت العرش ماء غليظا كمنى الرجال يقال له ماء الحيوان فتنبت أجسامهم كما ينبت البقل وتأكل الأرض ابن آدم الأعجب الذنب فانه يبقى مثل عين الجرادة لا يدركه الطرف فينشأ الخلق من ذلك وتركب عليه اجزاؤه كالهباء فى شعاع الشمس فاذا تكاملت الأجساد يحيى الله تعالى اسرافيل فينفخ فى الصور فيطير كل روح الى جسده ثم ينشق عنه القبر فَإِذا هُمْ بغتة من غير لبث اى الكفار كما دل عليه ما بعد الآية مِنَ الْأَجْداثِ اى القبور جمع جدث محركة وهو القبر كما فى القاموس فان قيل اين يكون فى ذلك الوقت أجداث وقد زلزلت الصيحة الجبال أجيب بان الله يجمع اجزاء كل ميت فى الموضع الذي أقبر فيه فيخرج من ذلك الموضع وهو جدثه إِلى رَبِّهِمْ اى الى دعوة ربهم ومالك أمرهم على الإطلاق وهى دعوة اسرافيل للمنشور او الى موقف ربهم الذي أعد للحساب والجزاء وقد صح ان بيت المقدس هى ارض المحشر والمنشر وكل من الجارين متعلق بقوله يَنْسِلُونَ كما دل عليه قوله (يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً) اى يسرعون بطريق الإجبار دون الاختيار لقوله تعالى (لَدَيْنا مُحْضَرُونَ) من نسل الثعلب ينسل اسرع فى عدوه والمصدر نسل ونسلان وإذا المفاجأة بعد قوله (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ) اشارة الى كمال قدرته تعالى والى ان مراده لا يتخلف عن إرادته زمانا حيث حكم بان النسلان وهو سرعة المشي وشدة العدو يتحقق فى وقت النفخ لا يتخلف عنه مع ان النسلان لا يكون الا بعد مراتب وهى جمع الاجزاء المتفرقة والعظام المتفتتة وتركيبها واحياؤها وقيام الحي ثم نسلانه فان قيل قال تعالى فى آية اخرى (فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ) وقال هاهنا (فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ) والقيام غير النسلان وقد صدر كل واحد منهما فى موضعه بإذا المفاجأة فيلزم ان يكونا معا والجواب من وجهين. الاول ان القيام لا ينافى المشي السريع لان الماشي قائم ولا ينافى النظر ايضا. والثاني ان الأمور المتعاقبة التي لا يتخلل بينها زمان ومهلة تجعل كأنها واقعة فى زمان واحد كما إذا قيل مقبل مدبر قالُوا اى الكفار فى ابتداء بعثهم من القبور منادين لويلهم وهلاكهم من شدة ما غشيهم من امر القيامة يا وَيْلَنا احضر فهذا أوانك ووقت مجيئك وقال الكاشفى [اى واى بر ما] فويل منادى أضيف الى ضمير المتكلمين وهو كلمة عذاب وبلاء كما ان ويح كلمة رحمة مَنْ استفهام بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا كان حفص يقف على مرقدنا وقفة لطيفة دون قطع نفس