للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنها ان متاع الدنيا سبب الغرور والفساد والهلاك ألا ترى ان فرعون اغتر بدنياه فهلك وان السامري صاغ من الحلي عجلا فافسد ولو لم يستصحبوها حين خرجوا من مصر لنجوا من عبادته والابتلاء بتوبته نسأل الله تعالى ان يهدينا هداية كاملة الى جنابه ولا يردنا عن بابه ولا يبتلينا بأسباب عذابه وَلَقَدْ قالَ لَهُمْ هارُونُ مِنْ قَبْلُ اى وبالله لقد نصح لهم هارون ونبههم على كنه الأمر من قبل رجوع موسى إليهم وخطابه إياهم بما ذكر من المقالات يا قَوْمِ [اى كروه من] إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ اى اوقعتم فى الفتنة بالعجل وأضللتم به على توجيه القصر المستفاد من كلمة انما الى نفس الفعل بالقياس الى مقابله الذي يدعيه القوم لا الى قيده المذكور بالقياس الى قيد آخر على معنى انما فعل بكم الفتنة لا الإرشاد الى الحق لا على معنى انما فتنتم بالعجل لا بغيره وَإِنَّ رَبَّكُمُ المستحق للعبادة هو الرَّحْمنُ المنعم بجميع النعم لا العجل وانما ذكر الرحمن تنبيها على انهم ان تابوا قبل توبنهم وإذا كان الأمر كذلك فَاتَّبِعُونِي فى الثبات على الدين وَأَطِيعُوا أَمْرِي هذا واتركوا عبادة ما عرفتم شأنه وما احسن هذا الوعظ فانه زجرهم عن الباطل بقوله إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ وأزال الشبهات اولا وهو كاماطة الأذى عن الطريق ثم دعاهم الى معرفة الله بقوله وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ فانها الأصل ثم الى معرفة النبوة بقوله فَاتَّبِعُونِي) ثم الى الشرائع فقال وَأَطِيعُوا أَمْرِي وفى هذا الوعظ شفقة على نفسه وعلى الخلق اما على نفسه فانه كان مأمورا من عند الله بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ومن عند أخيه بقوله اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ فلو لم يأمر بالمعروف ولم ينه عن المنكر لخالف امر الله وامر موسى وانه لا يجوز اوحى الله الى يوشع انى مهلك من قومك أربعين الفا من خيارهم وستين الفا من شرارهم فقال يا رب هؤلاء الأشرار فما بال الأخيار قال انهم لم يغضبوا لغضبى وفى الحديث (مثل المؤمنين فى توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) : قال الشيخ سعدى قدس سره

بنى آدم اعضاى يكديكرند ... كه در آفرينش ز يك كوهرند

چوعضوى بدرد آورد روزكار ... دكر عضوها را نماند قرار

تو كز محنت ديكران بي غمى ... نشايد كه نامت نهند آدمي

ثم ان هارون رأى المتهافتين على النار فلم يبال بكثرتهم ولا نفرتهم بل صرح بالحق

بكوى آنچهـ دانى سخن سودمند ... وكر هيچ كس را نيايد پسند

كه فردا پشيمان بر آرد خروش ... كه آوخ چرا حق نكردم بكوش

وهاهنا دقيقة وهى ان الرافضة تمسكوا بقوله عليه السلام (أنت منى بمنزلة هارون من موسى) ثم ان هارون ما منعه التقية فى مثل هذا الجمع العظيم بل صعد المنبر وصرح بالحق ودعا الناس الى متابعة نفسه والمنع من متابعة غيره فلو كانت امة محمد على الخطأ لكان يجب ان يفعل مثل ما فعل هارون وان يصعد المنبر من غير تقية وخوف ويقول فاتبعونى وأطيعوا امرى فلما لم يقل كذلك علمنا ان الامة كانوا على الصواب وقد ثبت ان عليا احرق الزنادقة الذين قالوا بآلهيته لما كانوا

<<  <  ج: ص:  >  >>