ما بهوش نيايد وجز بلقاى ما از خود خبر نيابد] فهذه هى حقيقة الرجوع ومن هذا القبيل ما حكى عن ابراهيم بن أدهم قدس سره انه حج الى بيت الله الحرام فبينما هو فى الطواف إذ بشاب حسن الوجه قد اعجب الناس حسنه وجماله فصار ابراهيم ينظر اليه ويبكى فقال بعض أصحابه انا لله وانا اليه راجعون غفلة دخلت على الشيخ بلا شك ثم قال يا سيدى ما هذا النظر الذي يخالطه البكاء فقال ابراهيم يا أخي انى عقدت مع الله عقدا لا اقدر على فسخه والا كنت ادنى هذا الفتى منى واسلم عليه لانه ولدي وقرة عينى تركته صغيرا وخرجت فارّا الى الله تعالى وها هو قد كبر كما ترى وانى لاستحيى من الله ان أعود الى شىء خرجت منه
هجرت الخلق كلا فى هواكا ... وأيتمت العيال لكى اراكا
فلو قطعتنى فى الحب اربا ... لما سكن الفؤاد الى سواكا
قال بعضهم هجر النفس مواصلة الحق ومواصلة النفس هجر الحق ومن الله الإيصال الى مقام الوصال وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلًا اعطى الله تعالى داود اسما ليس فيه حروف الاتصال فدل على انه قطعه عن العالم بالكلية وشرفه بألطافه الخفية والجلية فان بين الاسم والمسمى مناسبة لا يفهمها الا اهل الحقيقة وقد صح ان الألقاب والأسماء تنزل من صوب السماء والفضل الزيادة والتنوين للنوع اى نوعا من الفضل على سائر الأنبياء مطلقا سواء كانوا أنبياء بنى إسرائيل او غيرهم كما دل عليه قوله تعالى (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ) والفاضل من وجه لا ينافى كونه مفضولا من وجه آخر وهذا الفضل هو ما ذكر بعد من تأويب الجبال وتسخير الطير وإلانة الحديد فانه معجزة خاصة به وهذا لا يقتضى انحصار فضله فيها فانه تعالى أعطاه الزبور كما قال فى مقام الامتنان والتفضل (وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً) قال فى التأويلات النجمية والفرق بين داود وبين نبينا صلى الله عليه وسلم انه ذكر فضله فى حق داود على صفة النكرة وهى تدل على نوع من الفضل وشىء منه وهو الفيض الإلهي بلا واسطة كما دل عليه كلمة منا وقال فى حق نبينا صلى الله عليه وسلم (وَكانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً)
والفضل الموصوف بالعظمة يدل على كمال الفضل وكذا قوله فضل الله لما أضاف الفضل الى الله اشتمل على جميع الفضل كما لو قال أحد دار فلان اشتملت على جميع الدور انتهى بنوع من التغيير. ويجوز ان يكون التنكير للتفخيم ومنا لتأكيد فخامته الذاتية لفخامته الاضافية على ان يكون المفضل عليه غير الأنبياء فالمعنى إذا ولقد آتينا داود بلا واسطة فضلا عظيما على سائر الناس كالنبوة والعلم والقوة والملك والصوت الحسن وغير ذلك يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ بدل من آتينا بإضمار قلنا او من فضلا بإضمار قولنا والتأويب على معنيين. أحدهما الترجيع وهو بالفارسية [نغمه كردانيدن] لانه من الأوب وهو الرجوع. والثاني السير بالنهار كله فالمعنى على الاول رجعى معه التسبيح وسبحى مرة بعد مرة قال فى كشف الاسرار اوّبى سبحى معه إذا سبح وهو بلسان الحبشة انتهى: وبالفارسية [باز كردانيدن آواز خود را با داود در وقت تسبيح او يعنى موافقت كنيد با وى] وذلك بان يخلق الله تعالى فيها صوتا مثل صوته كما خلق الكلام فى شجرة موسى عليه السلام فكان كلما سبح سمع من الجبال ما يسمع من المسبح ويعقل معنى