للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكتب ابو عبيد الصوري الى بعض إخوانه اما بعد فانك قد أصبحت تأمل الدنيا بطول عمرك وتتمنى على الله الأماني بسوء فعلك وانما تضرب حديدا باردا والسلام وحسن الظن بالله تعالى انما يعتبر بعد إصلاح الحال بالأخلاق والأعمال قال الحسن ان قوما ألهتهم الأماني حتى خرجوا من الدنيا ومالهم حسنة يقول أحدهم انى احسن الظن بربي وكذب لو احسن الظن لاحسن العمل وتلا قوله تعالى وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الآية اللهم وفقنا للعلم والعمل قبل الاجل أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ لاهل الكتاب الراغبين عن ملة ابراهيم عليه السلام وأم منقطعة مقدرة ببل والهمزة قال في التيسير أم إذا لم يتقدمها الف الاستفهام كانت بمنزلة مجرد الاستفهام ومعنى الهمزة فيها الإنكار يعنى أكنتم شهداء جمع شهيد بمعنى الحاضر يريد ما كنتم حاضرين إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ اى اماراته وأسبابه وقرب خروجه من الدنيا نزلت حين قالت اليهود للنبى عليه السلام ألست تعلم ان يعقوب اوصى بنيه باليهودية يوم مات فقال تعالى ما كنتم حاضرين حين احتضر يعقوب وقال لبنيه ما قال والا لما ادعيتم عليه اليهودية ولكان حرضكم على ملة الإسلام إِذْ قالَ لِبَنِيهِ بدل من إذ حضر والعامل فيها شهداء ما تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي اى أي شىء تعبدونه بعد موتى أراد به تقريرهم على التوحيد والإسلام وأخذ ميثاقهم على الثبات عليهما قال الراغب لم يعن بقوله ما تعبدون من بعدي العبادة المشروعة فقط وانما عنى ان يكون مقصودهم في جميع الأعمال وجه الله تعالى ومرضاته وان يتباعدوا عما لا يتوسل به إليها وكأنه دعاهم الى ان لا يتحروا في أعمالهم غير وجه الله تعالى ولم يخف عليهم الاشتغال بعبادة الأصنام وانما خاف ان تشغلهم دنياهم ولهذا قيل ما قطعك عن الله فهو طاغوت ولهذا قال واجنبنى وبنى ان نعبد الأصنام اى ان نخدم ما دون الله قال في المثنوى

چيست دنيا از خدا غافل شدن ... نى قماش ونقره وفرزند ووزن

قال التحرير التفتازانيّ وما عام اى يصح إطلاقه على ذى العقل وغيره عند الإبهام سواء كان للاستفهام أم غيره وإذا علم ان الشيء من ذى العقل والعلم فرق بمن وما فيخص من بذي العلم وما بغيره وبهذا الاعتبار يقال ان ما لغير العقلاء انتهى كلامه وتم الإنكار عليهم عند قوله ما تعبدون من بعدي ثم استأنف وبين ان الأمر قد جرى على خلاف ما زعموا فقال قالُوا كأنه قيل فماذا قالوا عند ذلك فقيل قالوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ اى نعبد الآله المتفق على وجوده وآلهيته ووجوب عبادته وجعل إسماعيل وهو عمه من جملة الآباء تغليبا للاب والجد لان العم أب والخالة أم لانخراطهما في سلك واحد وهو الاخوة لا تفاوت بينهما ومنه قوله عليه السلام (عم الرجل صنو أبيه) اى لا تفاوت بينهما كما لا تفاوت بين صنوى النخلة إِلهاً واحِداً بدل من اله آبائك وفائدته التصريح بالتوحيد ودفع التوهم الناشئ من تكرر المضاف او نصب على الاختصاص كأنه قيل نريد ونعنى بآله آبائك آلها واحدا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ حال من فاعل نعبد تِلْكَ اشارة الى الامة المذكورة التي هي ابراهيم ويعقوب وبنوهما الموحدون أُمَّةٌ هى في الأصل المقصود كالعهدة بمعنى

<<  <  ج: ص:  >  >>