لما قدم بيت المقدس أراد ذبح ولده ونسى قول الملك فاتاه الملك فقال انما غمزتك للمخرج وقد وفى نذرك فلا سبيل لك الى ولدك ثم انه حين ابتلى بذلك المرض لقى من ذلك بلاء وشدة وكان لا ينام الليل من الوجع فحلف لئن شفاه الله لا يأكل أحب الطعام اليه فحرم لحوم الإبل وألبانها اما حمية الدين او حمية النفس وتحريم الحلال على نفسه جائز للكل وفيه كفارة اليمين مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ متعلق بقوله كان حلا ولا ضير فى توسيط الاستثناء بينهما المعنى ان المطعومات كانت حلالهم قبل نزول التوراة ثم حرمت بسبب بغيهم وظلمهم فكيف يكون ذلك حراما على نوح وابراهيم وغيرهما. وظاهر الآية يدل على ان الذي حرمه إسرائيل على نفسه قد حرمه الله على بنى إسرائيل وهو رد على اليهود فى دعواهم البراءة من الظلم وتبكيت لهم فى منع النسخ والطعن فى دعوى الرسول صلى الله عليه وسلم موافقته لابراهيم عليه السلام بتحليله لحوم الإبل وألبانها قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها امره عليه السلام بان يحاجهم بكتابهم الناطق بان تحريم ما حرم تحريم حادث مرتب على ظلمهم وبغيهم ويكلفهم إخراجه وتلاوته ليبكتهم ويلقمهم الحجر ويظهر كذبهم إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ فائتوا بالتوراة فاتلوها فان صدقكم مما يدعوكم الى ذلك البتة- روى- انهم لم يجترئوا على إخراج التوراة فبهتوا وانقلبوا صاغرين وفى ذلك من الحجة النيرة على صدق النبي صلى الله عليه وسلم وجواز النسخ الذي يجحدونه ما لا يخفى فَمَنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ
اى اختلق عليه سبحانه بزعمه انه حرم ما ذكر قبل نزول التوراة على بنى إسرائيل ومن تقدمهم من الأمم مِنْ بَعْدِ ذلِكَ
اى من بعد ما ذكر من أمرهم بإحضار التوراة وتلاوتها وما ترتب عليه من التبكيت والإلزام فَأُولئِكَ
المصرون على الافتراء بعد ان ظهرت حقيقة الحال وضاقت عليهم حيلة المحاجة والجدال هُمُ الظَّالِمُونَ
المفرطون فى الظلم والعدوان المبعدون فيهما قُلْ صَدَقَ اللَّهُ اى ظهر وثبت صدقه تعالى فيما انزل فى شان التحريم فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْراهِيمَ اى ملة الإسلام التي هى فى الأصل ملة ابراهيم عليه السلام فانكم ما كنتم متبعين لملته كما تزعمون حَنِيفاً حال من ابراهيم اى مائلا عن الأديان الزائغة كلها وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اى فى امر من امور دينهم أصلا وفرعا وفيه تعريض باشراك اليهود وتصريح بانه عليه السلام ليس بينه وبينهم علاقة دينية قطعا والغرض بيان ان النبي عليه السلام على دين ابراهيم فى الأصول لانه لا يدعو الا الى التوحيد والبراءة من كل معبود سواه سبحانه وتعالى. قال نجم الدين فى التأويلات الاشارة فى تحقيق الآيات ان الله تعالى خلق الخلق على ثلاثة اصناف. صنف منها الملك الروحاني العلوي اللطيف النورانى وجعل غذاءهم من جنسهم الذكر وخلقهم للعبادة. وصنف منها الحيوان الجسماني السفلى الكثيف الظلماني وجعل غداءهم من جنسهم الطعام وخلقهم للعبرة والخدمة. وصنف منها الإنسان المركب من الملكي الروحاني والحيواني الجسماني وجعل غذاءهم من جنسهم لروحانيهم الذكر ولجسمانيهم الطعام وخلقهم للعبادة والمعرفة. فمنهم ظالم لنفسه وهو الذي غلبت حيوانيته على روحانيته فبالغ فى غذاء جسمانية وقصر فى غذاء روحانيته حتى مات روحه واستولت حيوانيته أولئك كالانعام بل هم أضل