على ان المحاسبة عامة لما فى الدارين وان المراد بها فى بعض المواضع هو التضييق والتشديد مطلقا فَاتَّقُوا اللَّهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ اى اعتبروا بحال الأمم الماضين من المنكرين المعاندين وما نزل بهم من العذاب والوبال فاتقوا الله أوامره ونواهيه ان خلصت عقولكم من شوب الوهم فان اللب هو العقل الخالص من شوآئب الوهم وذلك بخلوص القلب من شوآئب صفات النفس والرجوع الى الفطرة الاولى وإذا خلص العقل من الوهم والقلب من النفس كان الايمان يقينيا فلذلك وصفهم بقوله الَّذِينَ آمَنُوا اى الايمان التحقيقى اليقيني العيانى الشهودى وفيه اشارة الى ان منشأ التقوى هو الخلوص المذكور ولا ينافى ذلك زيادة الخلوص بالتقوى فكم من شىء يكون سببا لاصل شىء آخر ويكون سببا فى زيادته وقوته على ذلك الآخر وبكمال التقوى يحصل الخروج من قشر الوجود المجازى والدخول فى لب الوجود الحقيقي والاتصاف بالايمان العيانى قال بعضهم الذين آمنوا حقا وصدقا ويجوز أن يكون صفة كاشفة لا مقيدة فانه لا يليق أن يعد غير المؤمنين من اولى الألباب اللهم الا أن يراد باللب العقل العاري عن الضعف بأى وجه كان من البلادة والبله والجنون وغيرها فتخصيص الأمر بالتقوى بالمؤمنين من بينهم لانهم المنتفعون انتهى والظاهر ان قوله الذين آمنوا مبتدأ خبره قوله تعالى قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ والخطاب من قبيل الالتفات ذِكْراً هو النبي عليه السلام كما بينه بأن أبدل منه قوله رَسُولًا وعبر عنه بالذكر لمواظبته على تلاوة القرآن او تبليغه والتذكير به وعبر عن إرساله بالانزال بطريق الترشيح اى للتجوز فيه عليه السلام بالذكر او لانه مسبب عن إنزال الوحى اليه يعنى ان رسول الله شبه بالذكر الذي هو القرآن لشدة ملابسته به فأطلق عليه اسم المشبه به استعارة تصريحية وقرن به ما يلائم المستعار منه وهو الانزال ترشيحا لها او مجازا مرسلا من قبيل اطلاق اسم السبب على المسبب فان إنزال الوحى اليه عليه السلام سبب لارساله وقال بعضهم ان التقدير قد انزل الله إليكم ذكرا يعنى القرآن وأرسل إليكم رسولا يعنى محمدا عليه السلام لكن الإيجاز اقتضى اختصار الفعل الناصب للرسول وقد دل عليه القرينة وهو قوله انزل نظيره قوله علفتها تبنا وماء باردا اى وسقيتها ماء باردا فيكون الوقف فى ذكرا تا ما بخلافه إذا كان بدلا وقال القاشاني قد انزل الله إليكم ذكرا اى فرقانا مشتملا على ذكر الذات والصفات والأسماء والافعال والمعاد رسولا اى روح القدس الذي أنزله به فأبدل منه بدل الاشتمال لان إنزال الذكر هو انزاله بالاتصال بالروح النبوي وإلقاء المعاني فى القلب يَتْلُوا يقرأ ويعرض عَلَيْكُمْ يا اولى الألباب أو يا ايها المؤمنون آياتِ اللَّهِ اى القرآن مُبَيِّناتٍ اى حال كون تلك الآيات مبينات ومظهرات لكم ما تحتاجون اليه من الاحكام او مبينات بالفتح بمعنى واضحات لا خفاء فى معانيها عند الاهالى اولا مرية فى اعجازها عند البلغاء المنصفين وانما يتلوها او أنزله لِيُخْرِجَ الرسول ويخلص او الله تعالى قال بعضهم اللام متعلقة بأنزل لا بقوله يتلو لان يتلو مذكور على سبيل التبعية دون انزل الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ الموصول عبارة عن المؤمنين بعد انزاله وإلا فإخراج