والاقتراح على سبيل التعنت والعناد لا على سبيل الإرشاد وقصد الجدوى والكاف في كذلك منصوب المحل على انه مفعول قال وقوله مثل قولهم مفعول مطلق اى قال كفار الأمم الماضية مثل ذلك القول الذي قالوه قولا مثل قولهم فيما ذكر فظهر ان أحد التشبيهين لا يغنى عن الآخر تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ اى تماثلت قلوب هؤلاء ومن قبلهم في العمى والقسوة والعناد وهو استئناف على وجه تعليل تشابه مقالتهم بمقالة من قبلهم فان الالسنة ترجمان القلوب والقلب ان استحكم فيه الكفر والقسوة والعمى والسفه والعناد لا يجرى على اللسان الا ما ينبئ عن التعلل والتباعد عن الايمان كما قيل
مرد پنهان بود بزير زبان ... چون بگويد سخن بدانندش
خوب گويد لبيب گويندش ... زشت گويد سفيه خوانندش
قَدْ بَيَّنَّا الْآياتِ اى نزلناها بينة بان جعلناها كذلك في أنفسها كما في قولهم سبحان من صغر البعوض وكبر الفيل لا انا بيناها بعد ان لم تكن بينة لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ اى يطلبون اليقين واليقين ابلغ العلم واوكده بان يكون جازما اى غير محتمل للنقيض وثابتا اى غير زائل بالتشكيك بعد ان يكون مطابقا للواقع فالايقان هنا مجاز عن طلب اليقين على طريق ذكر المسبب وارادة السبب ولا بعد في نصب الدلائل لطلاب اليقين ليحصلوه بها وانما حمل على المجاز لان الموقن بالمعنى المذكور لا يحتاج الى نصب الدلائل وبيان الآيات فبيان الآيات له طلب لتحصيل الحاصل إِنَّا أَرْسَلْناكَ حال كونك ملتبسا بِالْحَقِّ مؤيدا به والمراد الحجج والآيات وسميت به لتأديتها الى الحق بَشِيراً حال كونك مبشرا لمن اتبعك بما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب أحد وَنَذِيراً اى منذرا ومخوفا لمن كفر بك وعصاك والمعنى ان شأنك بعد اظهار صدقك في دعوى الرسالة بالدلائل والمعجزات ليس الا الدعوة والا بلاغ بالتبشير والانذار لا أن تجبرهم على القبول والايمان فلا عليك ان أصروا على الكفر والعناد فان الأحوال أوصاف لذى الحال والأوصاف مقيدة للموصوف وَلا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ ما لهم لم يؤمنوا بعد ان بلغت والجحيم المكان الشديد الحر وقرئ ولا تسأل بفتح التاء وجزم اللام على انه نهى لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم عن السؤال عن حال أبويه على ما روى انه عليه السلام قال (ليت شعرى ما فعل أبواي) اى ما فعل بهما والى أي حال انتهى أمرهما فنزلت واعلم ان السلف اختلفوا في ان أبوي النبي صلى الله عليه وسلم هل ماتا على الكفر او لا ذهب الى الثاني جماعة متمسكين بالادلة على طهارة نسبه عليه الصلاة والسلام من دنس الشرك وشين الكفر وعبادة قريش صنما وان كانت مشهورة بين الناس لكن الصواب خلافه لقول ابراهيم عليه السلام وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ وقوله تعالى فى حق ابراهيم وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ وذهب الى الاول جمع منهم صاحب التيسير حيث قال ولما امر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتبشير المؤمنين وإنذار الكافرين كان يذكر عقوبات الكفار فقام رجل فقال يا رسول الله اين والدي فقال في النار فحزن الرجل فقال عليه السلام (ان والديك ووالدي ووالدي ابراهيم في النار) فنزل قوله تعالى وَلا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ