يعنى ان من نظر الى التقدير علم ان الأمور الجارية على اهل العالم كلها على وفق الحكمة وعلى مقتضى المصلحة ففيه ارشاد الى اثبات الصانع الحكيم لا الى نفى وجوده قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ قال الراغب السرف تجاوز الحد فى كل ما يفعله الإنسان وان كان ذلك فى الانفاق أشهر وقوله تعالى (قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ) يتناول الإسراف فى الأموال وفى غيرها انتهى. وتعدية الإسراف بعلى لتضمين معنى الجناية والمعنى افرطوا فى الجناية عليها بالإسراف فى المعاصي وارتكاب الكبائر والفواحش قال البيضاوي ومن تبعه اضافة العباد تخصصه بالمؤمن على ما هو عرف القرآن يقول الفقير قوله تعالى (فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ) ينادى على خلافه لان العباد فسر هاهنا ببخت نصر وقومه وكانوا كفارا بالاتفاق الا ان يدعى الفرق بين الاضافة بالواسطة وبغيرها وقال فى الوسيط المفسرون كلهم قالوا ان هذه الآية نزلت فى قوم خافوا ان اسلموا ان لا يغفر لهم ما جنوا من الذنوب العظام كالشرك وقتل النفس والزنى ومعاداة النبي عليه السلام والقتال معه فانزل الله هذه الآية وفرح النبي عليه السلام بهذه الآية ورآها أصحابه من أوسع الآيات فى مغفرة الذنوب انتهى وقال فى التكملة روى ان وحشيا قاتل حمزة رضى الله عنه كتب الى النبي عليه السلام يسأله هل له من توبة وكتب انه كان قد سمع فيما انزل الله بمكة من القرآن آيتين أيأستاه من كل خير وهما قوله تعالى (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ) الى قوله (مُهاناً) فنزلت (إِلَّا مَنْ تابَ) إلخ فكتب بها رسول الله عليه السلام فخاف وحشي وقال لعلى لا أبقى حتى اعمل عملا صالحا فانزل الله (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ) إلخ فقال وحشي انى أخاف ان لا أكون من مشيئة الله فانزل الله تعالى (قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ) إلخ فاقبل وحشي واسلم انتهى وعلى كل تقدير فخصوص السبب لا ينافى عموم اللفظ فدخل فيه كل مسرف لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ) القنوط أعظم اليأس وفى المفردات اليأس من الخير: وبالفارسية [نوميد شدن از خير] والرحمة من الله تعالى الانعام والإعطاء والتفضل: وبالفارسية [بخشايش] وهو لا يكون فى الترتيب الوجودي الا بعد المغفرة التي هى ان يصون الله عبده من ان يمسه العذاب دل عليه قوله (إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) ولذا قالوا فى المعنى لا تيأسوا من مغفرته اولا وتفضله ثانيا نوميد مشو كه نااميدى كفر است [در معالم التنزيل آورده كه ابن مسعود رضى الله عنه در مسجد در آمد ديد كه واعظى ذكر آتش دوزخ وسلاسل وأغلال ميكند فرمود كه اى مذكر چرا نوميد مى كردانى مردمانرا مكر نخواندى آنرا كه ميفرمايد] قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ إلخ واعلم ان القنوط من رحمة الله علامة زوال الاستعداد والسقوط عن الفطرة بانقطاع الوصلة بين الحق والعبد إذ لو بقي شىء فى العبد من نوره الأصلي لادرك اثر رحمته الواسعة السابقة على غضبه فرجاء وصول