الحطب وأبدان الناس ما يدل عليه التعريف الاستغراقى ولو لم يحمل على هذا المعنى لم يظهر فائدة التوصيف إذ من المعلوم ان النار لا تخلو من حطب إِذْ هُمْ عَلَيْها قُعُودٌ ظرف لقتل والضمير لاصحاب الأخدود وقعود جمع قاعد اى لعنوا حين احرقوا بالنار قاعدين حولها فى مكان مشرف عليها من حافات الأخدود ولفظ على مشعر بذلك تقول مررت عليه تريد مستطيا بمكان يقرب منه وفى بعض التفاسير على سرر وكراسى قعود عند النار ولو قعدوا على نفس النار لاحترقوا فالقاتلون كانوا جالسين فى مكان مشرف او نحوه ويعرضون المؤمنين على النار قمن كان يترك دينه تركوه ومن كان يصر ألقوه فى النار وأحرقوه وكان عليه السلام إذا ذكر اصحاب الأخدود تعوذ بالله من جهد البلاء وهو الحالة التي يختار عليها الموت او كثرة العيال والفقر كما فى القاموس والجهد بالفتح المشقة وجهد عيشه كفرح نكد واشتد وَهُمْ عَلى ما يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ جمع شاهد أي يشهد بعضهم لبعض عند الملك بأن أحدا لم يقصر فيما امر به وفوض اليه من التعذيب بالإحراق من غير ترحم واشفاق او أنهم شهود يشهدون بما فعلوا بالمؤمنين يوم القيامة يعنى تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون هذا هو الذي يستدعيه النظم الكريم وتنطق به الروايات المشهورة وقد ذهب بعضهم الى ان الجبابرة لما القوا المؤمنين فى النار وهم قعود حولها علقت بهم النار وفى رواية ارتفعت فوقهم أربعين ذراعا فوقعت عليهم فأخرقتهم ونجى الله المؤمنين سالمين ولا يحيق المكر السيئ الا بأهله وقبض الله أرواحهم قبلى ان تمسهم النار كما فعل ذلك بآسية امرأة فرعون على ما سبق وعلى ذلك حملوا قوله تعالى ولهم عذاب الحريق اى لهم عذاب جهنم فى الآخرة ولهم عذاب الحريق فى الدنيا وفيه اشارة الى النفوس المتمردة الشاردة النافرة عن جناب الحق المستحقة لأخاديد النيران والخذلان والخسران الموقدة بأحطاب اخلاقهم الرديئة المؤصدة بأحجار أوصافهم الخبيثة النفسية الهوائية إذ هم عليها قعود بارتكاب الشهوات وانكبابهم على اللذات والنفس والهوى وقواهم الطبيعية يشهد بعضهم على بعض بما يفعلون بمؤمنى الروح والسر والقلب من المخالفة والمجادلة والمخاصمة وَما نَقَمُوا مِنْهُمْ اى وما أنكروا من المؤمنين وما عابوا يقال نقم الأمر إذا عابه وكرهه وفى المفردات نقمت الشيء إذا أنكرته اما باللسان واما بالعقوبة إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ قال بلفظ المضارع مع ان الايمان وجد منهم فى الماضي لارادة الاستمرار والدوام عليه فانهم ما عذبوهم لايمانهم فى الماضي بل لدوامهم عليه فى الآتي ولو كفروا فى المستقبل لم يعذبوا على ما مضى فكانه قيل الا ان يستمروا على ايمانهم واما قوله تعالى حكاية وما تنقم منا الا ان آمنا بآيات ربنا فلان مجرد ايمان السحرة بموسى عليه السلام كان منكرا واجب الانتقام عندهم والاستثناء مفرغ مفصح عن براءتهم مما يعاب وينكر بالكلية على منهاج قوله
ولا عيب فيهم غير أن ضيوفهم ... ثلام بنسيان الاحبة والوطن
فى ان ما أنكروه ليس منكرا فى الواقع وغير حقيق بالإنكار كما ان ما جعله الشاعر عيبا