النار صفة غضب كما كان لموسى عليه السلام إذا اشتد غضبه اشتعلت قلنسوته نارا وتارة يشاهد النار وهي صفة الشيطنة وتارة تكون نار المحبة تقع في محبوبات النفس فتحرقها وتارة تكون نار الله الموقدة التي تطلع على الافئدة فتحرق عليهم بيت وجودهم فالصورة النارية المشاهدة متشابه بعضها ببعض كما قال تعالى وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً ولكن السالك الواصل يجد من كل نار منها ذوقا وصفة اخرى وَلَهُمْ فِيها أَزْواجٌ اى لارباب الشهود في جنات القربات ازواج من أبكار الغيب مُطَهَّرَةٌ من ملابسة الأغيار وَهُمْ فِيها فى افتضاضها خالِدُونَ كما قال عليه السلام (ان من العلوم كهيئة المكنون لا يعلمها الا العلماء بالله فاذا نطقوا بها لا ينكرها الا اهل الغرة بالله) واعلم ان كل شىء يشاهد في الشهادة كما ان له صورة في الدنيا له معنى حقيقى في الغيب ولهذا كان النبي عليه السلام يسأل الله تعالى بقوله (اللهم أرنا الأشياء كما هى) فيكون في الآخرة صورة الأشياء وحقائقها حاصلة ولكن الحقائق والمعاني على الصور غالبة فيرى في الآخرة صورة شىء يعينه فيعرفه فيقول هذا الذي رزقنا من قبل فيكون الاسم والصورة كما كانت ولكنها في ذوق آخر غير ما كنت تعرفه ولهذا قال ابن عباس رضى الله عنهما ليس شىء في الجنة مما في الدنيا غير الأسماء وهذا كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (كل كلمة يكلمها المسلم في سبيل الله تكون يوم القيامة كهيئتها يوم طعنت انفجرت دما اللون لون الدم والعرف عرف المسك) فالآن لون ذلك الدم حاصل في الشهادة ولكن عرفه في الغيب لا يشاهد هاهنا ففى الآخرة يشاهد الصورة الدنيوية والمعاني الغيبية فافهم جدا واغتنم إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ما بَعُوضَةً عن الحسن وقتادة لما ذكر الله الذباب والعنكبوت في كتابه وضرب للمشركين به المثل ضحكت اليهود وقالوا ما يشبه هذا كلام الله فانزل الله هذه الآية والحياء تغير وانكسار يعترى الإنسان من تخوف ما يعاب به ويذم وهو جار على سبيل التمثيل لا يترك ضرب المثل بالبعوضة ترك من يستحيى ان يمثل بها لحقارتها فمحل ان يضرب اى يذكر النصب على المفعولية وما اسمية ابهامية تزيد ما تقارنه من الاسم المنكر إبهاما وشياعا كانه قيل مثلا ما من الأمثال اى مثل كان فهى صفة لما قبلها وبعوضة بدل من مثلا والبعوضة صغار البق سميت بعوضة لانها كانها بعض البق فَما فَوْقَها اى فيذكر الذي هو أزيد منها كالذباب والعنكبوت او فما دونها في الصغر قيل انه من الاضداد ويطلق على الأعلى والأدنى وهو دابة يسترها السكون ويظهرها التحرك يعنى لا تلوح للبصر الحاد الا بتحركها فان قلت مثل الله آلهتهم ببيت العنكبوت وبالذباب فاين تمثيلها بالبعوضة فما دونها قلت في هذه الآية كأنه قال ان الله لا يستحيى ان يضرب مثل آلهتكم بالبعوضة فما دونها فما ظنكم بالعنكبوت والذباب قال الربيع بن انس ضرب المثل بالبعوضة عبرة لاهل الدنيا فان البعوضة تحيى ما جاعت وتموت إذا شبعت فكذا صاحب الدنيا إذا استغنى طغى وأحاط به الردى وقال الامام ابو منصور الاعجوبة في الدلالة على وحدانية الله تعالى فى الخلق الصغير الجثة والجسم اكثر منها في الكبار العظام لان الخلائق لو اجتمعوا على تصوير صورة من نحو البعوض والذباب وتركيب ما يحتاج من الفم والانف والعين والرجل واليد والمدخل والمخرج ما قدروا عليه ولعلهم يقدرون على تصوير العظام من الأجسام الكبار