وكان حكم السارق فى شرع يعقوب ان يسترق سنة بدل القطع فى شريعتنا فَهُوَ جَزاؤُهُ تقرير لذلك الحكم اى فاخذه جزاؤه كَذلِكَ اى مثل ذلك الجزاء الأدنى نَجْزِي الظَّالِمِينَ بالسرقة تأكيد للحكم المذكور غب تأكيد وبيان بقبح السرقة ولقد فعلوا ذلك ثقة بكمال براءتهم منها وهم عما فعل بهم غافلون فَبَدَأَ يوسف بعد ما رجعوا اليه التفتيش بِأَوْعِيَتِهِمْ باوعية الاخوة العشرة اى بتفتيشها قَبْلَ تفتيش وِعاءِ أَخِيهِ بنيامين لنفى التهمة- روى- ان اصحاب يوسف قالوا أنيخوا نفتش رحالكم فاناخوا واثقين ببراءتهم ففتشوا رحل الأخ الأكبر ثم الذي يليه ثم وثم الى ان بلغت النوبة الى رحل بنيامين فقال يوسف ما أظن أخذ هذا شيأ فقالوا والله لا نتركه حتى ننظر فى رحله فانه أطيب لنفسك وأنفسنا فلما فتحوا متاعه استخرجوه منه وذلك قوله ثُمَّ اسْتَخْرَجَها اى الصواع لانه يذكر ويؤنث مِنْ وِعاءِ أَخِيهِ فلما وجد الصاع مدسوسا فى رحل بنيامين واستخرج منه نكسوا رؤسهم وانقطعت ألسنتهم فاخذوا بنيامين مع ما معه من الصواع وردوه الى يوسف وأخذوا يشتمونه بالعبرانية وقالوا له يا لص ما حملك على سرقة صاع الملك ولا يزال ينالنا منك بلاء كما لقينا من ابن راحيل فقال بنيامين بل ما لقى ابنا راحيل البلاء الا منكم فاما يوسف فقد عملتم به ما فعلتم واما انا فسرّقتمونى اى نسبتمونى الى السرقة قالوا فمن جعل الإناء فى متاعك أليس قد خرج من رحلك قال ان كنتم سرقتم بضاعتكم الاولى وجعلتموها فى رحالكم فكذلك انا سرقت الصاع وجعلته فى رحلى فقال روبيل والله لقد صدق وأراد بنيامين ان يخبرهم بخبر يوسف فذكر وصيته له فسكت كَذلِكَ نصب على المصدرية والكاف مقحمة للدلالة على فخامة المشار اليه وكذا ما فى ذلك من معنى البعد اى مثل ذلك الكيد العجيب وهو عبارة عن ارشاد الاخوة الى الإفتاء المذكور باجرائه على ألسنتهم وبحملهم عليه بواسطة المستفتين من حيث لم يحتسبوا فمعنى قوله تعالى كِدْنا لِيُوسُفَ صنعنا له ودبرنا لاجل تحصيل غرضه من المقدمات التي رتبها من دس الصواع وما يتلوه فاللام ليست كما فى قوله فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً فانها داخلة على المتضرر على ما هو الاستعمال الشائع. والكيد فى الأصل عبارة عن المكر والخديعة وهو ان توهم غيرك خلاف ما تخفيه ما كانَ يوسف لِيَأْخُذَ أَخاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ استئناف وتعليل لذلك الكيد وصنعه كأنه قيل لماذا فعل يوسف ذلك فقيل لانه لم يكن ليأخذ أخاه بما فعل فى دين ملك مصر فى امر السارق اى فى حكمه وقضائه الا به لان جزاء السارق فى دينه انما كان ضربه وتغريمه ضعف ما أخذ دون الاسترقاق والاستعباد كما هو شريعة يعقوب فلم يكن يتمكن بما صنعه من أخذ أخيه بالسرقة التي نسبها اليه فى حال من الأحوال إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ اى إلا حال مشيئته التي هى عبارة عن إرادته لذلك الكيد وإلا حال مشيئته للاخذ بذلك الوجه قال الكواشي لولا شريعة أبيه لما تمكن من أخذ أخيه انتهى قال فى بحر العلوم وحكم هذا الكيد حكم الحيل الشرعية التي يتوصل بها الى مصالح ومنافع دينية كقوله لايوب وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً ليتخلص من جلدها ولا يحنث وكقول ابراهيم هى اختى لتسلم من يد الكافر وما الشرائع كلها الا مصالح وطرق الى.
التخلص من الوقوع فى المفاسد وقد علم الله فى هذه الحيلة التي لقنها يوسف مصالح عظيمة