الآية لعلهم يرجعون الى صدق طلبهم وعلو محبتهم وَمَنْ أَظْلَمُ [وكيست ستمكارتر] مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ اى وعظ بالقرآن ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْها فلم يتفكر فيها ولم يقبلها ولم يعمل بموجبها وثم لاستبعاد الاعراض عنها مع غاية وضوحها وإرشادها الى سعادة الدارين كقولك لصاحبك دخلت المسجد ثم لم تصل فيه استبعادا لتركه الصلاة فيه. والمعنى هو اظلم من كل ظالم وان كان سبك التركيب على نفى الأعظم من غير تعرض لنفى المساوى إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ اى من كل من اتصف بأجرام وان هانت جريمته مُنْتَقِمُونَ فكيف من كان اظلم من كل ظالم وأشد جرما من كل مجرم: وبالفارسية [انتقام كشيدكانيم هلاك وعذاب] يقال نقمت من الشيء ونقمته إذا أنكرته اما باللسان واما بالعقوبة والنقمة العقوبة والانتقام [كينه كشيدن] فاذا نبه العبد بانواع الزجر وحرك فى تركه حدود الوفاق بصنوف من التأديب ثم لم يرتدع عن فعله واغتر بطول سلامته وأمن هواجم مكر الله وخفايا امره اخذه بغتة بحيث لا يجد فرجة من أخذته كما قال (إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ) اى المصرين على جرمهم (مُنْتَقِمُونَ) بخسارة الدارين: قال الحافظ
كمين كهست وتو خوش تيز ميروى هش دار ... مكن كه كرد بر آيد ز شهره عدمت
وفى الحديث (ثلاثة من فعلهن فقد أجرم من عقد لواء فى غير حق ومن عق لوالديه ومن نصر ظالما) واعلم ان الظلم أقبح الأمور ولذلك حرمه الله على نفسه فينبغى للعاقل ان يتعظ بمواعظ الله ويتخلق بأخلاقه ويجتنب عن اذية الروح بموافقة النفس والطبيعة واذية عباد الله وعن ابن عباس رضى الله عنهما انه استند الى جدار الكعبة وقال يا كعبة ما أعظم حرمتك على الله لكنى لوهدمتك سبع مرات كان أحب الى من أوذي مسلما مرة واحدة وعن وهب بن منبه انه قال جمع عالم من علماء بنى إسرائيل سبعين صندوقا من كتب العلم كل صندوق سبعون ذراعا فاوحى الله تعالى الى نبى ذلك الزمان ان قل لهذا العالم لا تنفعك هذه العلوم وان جمعت أضعافا مضاعفة مادام معك ثلاث خصال حب الدنيا ومرافقة الشيطان وأذى مسلم فهذه الأسباب توقع الإنسان فى ورطة الانتقام وانتقام الله لا يشبه انتقام غيره ألا ترى انه وصف العذاب بالأكبر وفى الحديث (ان فى أهون باب منها سبعين الف جبل من نار وفى كل جبل سبعون الف واد من نار وفى كل واد سبعون الف شعب من نار وفى كل شعب سبعون الف مدينة من نار وفى كل مدينة سبعون الف دار من نار وفى كل دار سبعون الف قصر من نار وفى كل قصر سبعون الف صندوق من نار وفى كل صندوق سبعون الف نوع من العذاب ليس فيها عذاب يشاكل عذابا) فسمع عمر رضى الله عنه فقال يا ليتنى كنت كبشا فذبحونى وأكلوني ولم اسمع ذكر جهنم. وقال ابو بكر رضى الله عنه يا ليتنى كنت طيرا فى المفازة ولم اسمع ذكر النار. وقال على رضى الله عنه يا ليت أمي لم تلدنى ولم اسمع ذكر جهنم نسأل الله تعالى ان يحفظنا من الوقوع فى اسباب العذاب والوقوف فى مواقف المناقشة وسوء الحساب وهو الذي خلق فهدى الى طريق رضاه ومنه الثبات على دينه الموصل الى جنته وقربته ووصلته ولقاه وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ اى التوراة فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ اى شك