على فعلة واحدة من الفعلات متعدية كانت او لازمة ثم شاع فى كل فرد واحد من افراد ماله افراد متحدة فصار علما فى ذلك حتى جعل معيارا لما فى معناه من سائر الأشياء فقيل هذا بناء المرة ويقرب منها الكرة والتارة والدفعة والمراد به هاهنا الوقت الممتد الذي وقع فيه ما سيأتى ذكره من المنن العظيمة الكثيرة إِذْ أَوْحَيْنا إِلى أُمِّكَ ظرف لمننا والمراد من هذا الوحى ليس الوحى الواصل الى الأنبياء لان أم موسى ما كانت من الأنبياء فان المرأة لا تصلح للامارة والقضاء فكيف تصلح للنبوة بل الإلهام كما فى قوله تعالى وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ بان أوقع الله فى قلبها عزيمة جازمة على ما فعلته من اتخاذ التابوت والقذف قال فى الاسئلة المقحمة كيف يجوز لها ان تلقى ولدها فى البحر وتخاطر بروحه بمجرد الإلهام والجواب كانت مضطرة الى ركوب أحد الخطرين فاختارت له خير الشرين انتهى والظاهر ان الله تعالى قدر انها تكون صدف درة وجود موسى فكما ان الصدف يتنور بنور الدرة نور صدر امه ايضا بنور الوحى من تلألؤ أنوار نبوته ورسالته فهذا الإلهام من احوال الخواص من اهل الحال ما يُوحى المراد به ما سيأتى من الأمر بقذفه فى التابوت والبحر أبهم اولا تهويلا له وتفخيما لشأنه عليه السلام ثم فسر ليكون أقر عند النفس أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ ان مفسرة بمعنى اى لان الوحى من باب القول اى قلنا لها اقذفيه ومعنى القذف هاهنا الوضع وفى قوله فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ الإلقاء وليس المراد القذف بلا تابوت واليم نيل مصر فى قول جميع المفسرين فان اليم يقع على البحر والنهر العظيم فان قيل ما الحكمة بإلقاء موسى فى اليم دون غيره فيه قلنا له جوابان بلسان الحكمة والمعرفة قيل بلسان الحكمة ان المنجمين حتى إذا القى شىء فى الماء يخفى عليهم امره فاراد الله ان يخفى حال موسى على المنجمين حتى لا يخبروا به فرعون وقيل بلسان الحال ألقيه فى التلف لا نجيه بالتلف من التلف قيل لها بلسان الحال سلميه الىّ صبيا أسلمه إليك نبيا وقيل أنجاه من البحر فى الابتداء كذلك أنجاه من البحر فى الانتهاء بإغراق فرعون بالماء وقال بعض ارباب المعارف التابوت اشارة الى ناسوت موسى عليه السلام اى صورته الانسانية واليم اشارة الى ما حصل له من العلم بواسطة هذا الجسم العنصري فلما حصلت النفس فى هذا الجسم وأمرت بالتصرف فيه وتدبيره جعل الله لها هذا القوى آلات يتوصل بها الى ما اراده الله منها فى تدبير هذا التابوت فرمى فى اليم ليحصل له بهذا القوى من فنون العلم تكميل استعداده بذلك الأمر من النفس الكلية التي هى امه المعنوية وأبوه الروح الكلى فكل ولد منها يأخذ استعداده بحسب القابلية فكمل لموسى الاستعداد الأصلي بذلك الإلقاء من توجه النفس الكلية له: وقال المولى الجامى قدس سره
ديدم رخت آفتاب عالم اينست ... در طور وجود نور أعظم اينست
افتاد دلم أسير تابوت بدن ... در بحر غمت القى فى اليم اينست
فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ لما كان إلقاء البحر إياه بالساحل امرا واجب الوقوع لتعلق الارادة الربانية به جعل البحر كأنه ذو تمييز مطيع امر بذلك واخرج الجواب مخرج الأمر فصورته امر ومعناه خبر والضمائر كلها لموسى والمقذوف فى البحر والملقى بالساحل وان كان التابوت