فيريد الآخرة ويسعى لها سعيها وهو الطلب بالصدق وهو مؤمن بان من طلبه وجده فاولئك كان سعيهم فى الوجود مشكورا من الموجد فى الأزل كُلًّا منصوب بنمد اى كل واحد من مريدى الدنيا ومريدى الآخرة نُمِدُّ اى نزيد مرة اخرى بحيث يكون الآنف مددا للسالف لا نقطعه وما به الامداد هو ما عجل لاحدهما من العطايا العاجلة وما أعد للآخر من العطايا الآجلة المشار إليها بمشكورية السعى هؤُلاءِ بدل من كلا وَهَؤُلاءِ عطف عليه اى نمد هؤلاء المعجل لهم وهؤلاء المشكور سعيهم مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ اى من معطاه الواسع الذي لا تناهى له لان العطاء اسم ما يعطى وهو متعلق بنمد ومغن عن ذكر ما به الامداد ومنه على ان الامداد المذكور ليس بطريق الاستيجاب بالسعي والعمل بل بمحض التفضل وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ اى دنيويا وأخرويا مَحْظُوراً ممنوعا عمن يريده من البر والفاجر بل هو فائض على البر فى الدنيا والآخرة وعلى الفاجر فى الدنيا فقط وان وجد منه ما يقتضى الحظر وهو الفجور والكفر: قال الشيخ سعدى
پس پرده بيند عملهاى بد ... هم او پرده پوشد بآلاى خود
وگر بر جفا پيشه بشتافتى ... كى از دست قهرش أمان يافتى
انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ كيف فى محل النصب بفضلنا على الحالية لا بانظر لان الاستفهام يحجب ان يتقدم عليه عامله لاقتضائه صدر الكلام اى انظر يا محمد بنظر الاعتبار كيف فضلنا بعض الآدميين على بعض فيما أمددناهم من العطايا الدنيوية فمن وضيع ورفيع ومالك ومملوك وموسر وصعلوك تعرف بذلك مراتب العطايا الاخروية ودرجات تفاضل أهلها على طريقة الاستشهاد بحال الأدنى على حال الأعلى كما افصح عنه قوله تعالى وَلَلْآخِرَةُ اى هى وما فيها أَكْبَرُ من الدنيا دَرَجاتٍ نصب على التمييز وهى جمع درجة بمعنى المرتبة والطبقة وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا وذلك لان التفاوت فى الآخرة بالجنة ودرجاتها العالية لان ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض وفى التأويلات النجمية انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ من اهل الدنيا فى النعمة والدولة وموافاة المراد ليتحقق لك انها من امدادنا يا هم وَلَلْآخِرَةُ اى اهل الآخرة أَكْبَرُ دَرَجاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا من اهل الدنيا لان مراتب الدرجات الاخروية وفضائل أهلها باقية غير متناهية ونعمة الدنيا وفضائل أهلها فانية متناهية: قال الحافظ
فى الجملة اعتماد مكن بر ثبات دهر ... كين كار خانه ايست كه تغيير ميكنند
فعلى العاقل تحصيل الدرجات الاخروية الباقية. وفى الحديث (اكثر اهل الجنة البله وعليون لذوى الألباب) أراد بذوي الألباب العلماء ألا يرى الى قوله عليه السلام (فضل العالم على العابد كفضلى على أدناكم) وفى رواية (كفضل القمر على سائر الكواكب) وقد قال ابن عباس رضى الله عنهما فى تفسير قوله تعالى وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ
يرفع العالم فوق المؤمن بسبعمائة درجة بين كل درجتين كما بين السماء والأرض فبهذه الشواهد يتضح ان تفاوت درجات اهل الجنة بحسب تفاوت معارفهم الالهية وعلومهم الحقيقة كما قال عليه السلام (ان فى الجنة مدينة من نور لم ينظر إليها ملك مقرب ولا نبى مرسل جميع ما فيها من القصور والغرف والأزواج