على أي وجه اتفق هلاككم حسب تعلق الارادة الإلهية لَإِلَى اللَّهِ اى الى المعبود بالحق العظيم الشان الواسع الرحمة الجزيل الإحسان تُحْشَرُونَ لا الى غيره فيوفى أجوركم ويجزل لكم عطاياكم. واعلم ان هذه الآيات على ترتيب أنيق فانه قال فى الآية الاولى لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وهى التجاوز عن السيئات وذلك اشارة الى من يعبد الله خوفا من عقابه ثم قال وَرَحْمَةٌ وهى التفضل بالمثوبات وهو اشارة الى من يعبده ثوابه ثم قال فى آخر الآية لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ وهو اشارة الى من يعبد الله لمجرد الربوبية والعبودية وهذا أعلى المقامات: قال عبد الرحمن الجامى
جانا ز در تو دور نتوانم بود ... قانع ببهشت وحور نتوانم بود
سر بر در تو بحكم عشقم نه بمزد ... زين در چهـ كنم صبور نتوانم بود
فبين الحشر الى مغفرة الله والحشر الى الله فرق كثير- روى- ان عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام مر بأقوام نحفت أبدانهم واصفرت وجوههم ورأى عليهم آثار العبادة فقال ماذا تطلبون فقالوا نخشى عذاب الله فقال هو أكرم من ان لا يخلصكم من عذابه ثم مر بأقوام آخرين فرأى عليهم تلك الآثار فسألهم فقالوا نطلب الجنة والرحمة فقال هو أكرم من ان يمنعكم رحمته ثم مر بقوم ثالث ورأى آثار العبودية عليهم اكثر فسألهم فقالوا نعبده لانه الهنا ونحن عبيده لا لرغبة ولا لرهبة فقال أنتم العبيد المخلصون والمتعبدون المحقون
كى مسلم شودت عشق جمال ازلى ... تا بر آفاق همه تهمت زشتى ننهى
- حكى- ان امرأة قالت لجماعة ما السخاء عندكم قالوا بذل المال قالت هو سخاء اهل الدنيا والعوام فما سخاء الخواص قالوا بذل المجهود فى الطاعة قالت ترجون الثواب قالوا نعم قالت تأخذون العشرة بواحد لقوله تعالى مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها فاين السخاء قالوا فما عندك قالت العمل لله لا للجنة ولا للنار ولا للثواب وخوف العقاب وذلك لا يمكن الا بالتجريد والتفريد والوصول الى حقيقة الوجوه. فعلى السالك ان يعرض عن الدنيا والآخرة ويقبل على الله حتى يكشف عن وجهه الحجاب ويصل الى رب الأرباب. قال الامام فى تفسيره الإنسان إذا توجه الى الجهاد اعرض قلبه عن الدنيا واقبل على الآخرة فاذا مات فكأنه تخلص من العدو ووصل الى المحبوب وإذا جلس فى بيته خائفا من الموت حريصا على جمع الدنيا فاذا مات فكأنه حجب عن المعشوق والقى فى دار الغربة ولا شك فى كمال سعادة الاول وكمال شقاوة الثاني انتهى فحشر الغافلين بالحجاب وحشر الواصلين بإظهار الجناب فمن كان فى هذه الدنيا أعمى بحب المال والمنال كان فى الآخرة محجوبا عن مشاهدة الجمال فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ما مزيدة للتأكيد اى فبرحمة عظيمة لهم كائنة من الله تعالى وهى ربطه على جأشه وتخصيصه بمكارم الأخلاق كنت لين الجانب لهم وعاملتهم بالرفق والتلطف بعد ما كان منهم ما كان من مخالفة أمرك وإسلامك للعدو وَلَوْ لم تكن كذلك بل كُنْتَ فَظًّا جافيا فى المعاشرة قولا وفعلا غَلِيظَ الْقَلْبِ قاسيه غير رقيق. فالفظ سيئ الخلق وغليظ