للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يوصى بعض أصحابه ويقول خف من سطوة العدل وارج رقة الفضل ولا تأمن مكره ولو أدخلك الجنة وقع لابيك آدم ما وقع فان قلت ما الحكمة فى امهال الله العصاة فى الدنيا قلت ليرى العباد ان العفو والإحسان أحب اليه من الاخذ والانتقام وليعلموا شفقته وبره وكرمه وان رحمته سبقت غضبه وامهاله تعالى من اخلاق كرمه وجوده. وقيل يمهل من يشاء حكمة ليأخذ الظالم أخذ عزيز مقتدر ويجعل عقوبة من يشاء رحمة منه وتخفيفا بالنسبة الى عذاب الآخرة فعلى العاقل ان يخاف من المكر الإلهي ويرى الفقر والانكسار نعمة وإكراما فان الله تعالى يحب الفقراء وهو عند المنكسرة قلوبهم وحال الدنيا ليس على القرار تسلب كما تهب وتهب كما تسلب: ونعم ما قيل

زمانه به نيك وبد آبستن است ... ستاره كهى دوست وكه دشمن است

أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ- روى- انه عليه الصلاة والسلام كان كثيرا ما يحذر قريشا عقوبة الله تعالى ووقائعه النازلة فى الأمم الماضية فقام ليلا على الصفا وجعل يدعوهم الى عبادة الله تعالى قبيلة قبيلة يا بنى فلان يا بنى فلان الى الصباح يحذرهم بأس الله فقال قائلهم ان صاحبكم هذا يعنى محمدا صلى الله تعالى عليه وسلم لمجنون بات يهوت الى الصباح فنزلت والهمزة للانكار والتعجب والتوبيخ والواو للعطف على مقدر وما اما استفهامية انكارية فى محل الرفع بالابتداء والخبر بصاحبهم واما نافية اسمها جنة وخبرها بصاحبهم والجملة معلقة لفعل التفكر لكونه من افعال القلوب ومحلها على الوجهين النصب على نزع الجار والجنة بناء نوع من الجنون ودخول من يدل على انه ليس به نوع من انواع الجنون. والمعنى أكذبوا بالآيات ولم يتفكروا فى أي شىء من جنون ما كائن بصاحبهم او فى انه ليس بصاحبهم شىء من جنة حتى يؤديهم التفكر فى ذلك الى الوقوف على صدقه وصحة نبوته فيؤمنوا به وبما انزل عليه من الآيات فالتصريح بنفي الجنون للرد على عظيمتهم الشنعاء والتعبير عنه عليه الصلاة والسلام بصاحبهم وارد على شاكلة كلامهم مع ما فيه من الإيذان بان طول مصاحبتهم له عليه السلام مما يطلعهم على نزاهته عليه السلام عن شائبة الجنة وقد كانوا يسمونه قبل اظهار النبوة محمدا الامين صلى الله تعالى عليه وسلم إِنْ هُوَ اى ما هو عليه السلام إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ اى مبالغ فى الانذار مظهر له غاية الإظهار ابرازا لكمال الرأفة ومبالغة فى الاعذار أَوَلَمْ يَنْظُرُوا الهمزة للانكار والواو للعطف على مقدر اى أكذبوا بها ولم ينظروا نظر تأمل واستدلال فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فيما تدل عليه السموات والأرض من عظم الملك وكمال القدرة فيعلموا انه لم يخلقهما عبثا ولم يترك عباده سدى قال بعضهم ملكوت السموات النجوم والشمس والقمر وملكوت الأرض البحور والجبال والشجر والملكوت الملك العظيم من الملك كالرهبوت من الرهب زيدت التاء للمبالغة يقال له ملكوت العراق اى الملك الأعظم متعلق به وَما خَلَقَ اللَّهُ عطف على ملكوت اى وفيما خلق الله مِنْ شَيْءٍ بيان لما خلق مفيد لعدم اختصاص الدلالة المذكورة بجلائل المصنوعات دون دقائقها اى من جليل ودقيق مما يقع عليه اسم الشيء

<<  <  ج: ص:  >  >>