كمال العلم والاطلاع ألا ترى الى قوله تعالى لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا ولملئت منهم رعبا فان توليه وامتلاءه من الرعب ليس عن رؤية أجسامهم فقط لانهم أناس مثله وانما هو لما اطلعه الله عليه حين رويتهم من العلم كما غشى على جبريل ليلة الإسراء حين رأى الرفرف ولم يغش على رسول الله وقال عليه السلام فعلمت فضل جبريل فى العلم فكأنه عليه السلام أشار الى فضل نفسه ايضا لما غشى عليه برؤية جبريل على صورته الاصلية وانما لم يغش عليه حين رأى الرفرف كما غشى على جبريل لانه إذ ذاك فى نهاية التمكين وفرق بين البداية والنهاية والله اعلم قال القاشاني ولقدرآء بالأفق المبين اى نهاية طور القلب الذي يلى الروح وهو مكان إلقاء النافث القدسي على ان المراد بالرسول روح القدس النافث فى روع الإنسان وقال فى التأويلات النجمية اى رأى جبريل الروح حضرة ربه عند أفق البقاء بعد الفناء وَما هُوَ اى رسول الله عَلَى الْغَيْبِ اى على ما يخبره من الوحى اليه وغيره من الغيوب بِضَنِينٍ اى ببخيل اى لا يبخل بالوحى فيزوى بعضه غير مبلغه ولا يكتمه كما يكتم الكاهن ما عنده حتى يأخذ عليه حلوانا اى اجرة أو يسأل تعليمه فلا يعلمه وفيه اشارة الى ان إمساك العلم عن أهله بخل من ضن بالشيء يضن بالفتح ضنا بالكسر وضنانة بالفتح اى بخل فهو ضنين به ى بخيل ويضن بالكسر لغة والفتح افصح ذكره البيهقي فى تهذيب المصادر فى باب ضرب حيث قال الضن والضنانة بخيلي كردن. والغابر يضن والفتح أفصح فيكون من باب علم كما صرح به بعضهم بقوله هو من ضننت بالشيء بكسر النون وهو قراءة نافع وعاصم وحمزة وابن عامر قال فى النشر كذلك هو فى جميع المصاحف اى المصاحف التي يتداولها الناس والا فهو فى مصحف عبد الله بن مسعود رضى الله عنه بالظاء وقرئ بظنين على انه فعيل بمعنى المفعول اى بمتهم اى هو ثقة فى جميع ما يخبره لا يتوهم فيه انه ينطق عن الهوى من الظنة وهى التهمة واتهمت فلانا بكذا توهمت فيه ذلك اختار أبو عبيدة هذه القراءة لان الكفار لم يبخلوه وانما اتهموه فنفى التهمة أولى من نفى البخل ولان البخل يتعدى بالباء لا بعلى وفى الكشاف هو فى مصحف عبد الله بالظاء وفى مصحف أبى بالضاد وكان رسول الله عليه السلام يقرأ بهما ولا بد للقارئ من معرفة مخرجى الضاد والظاء فان مخرج الضاد من اصل حافة اللسان وما يليها من الأضراس من يمين اللسان او يساره ومخرج الظاء من طرف اللسان واصول الثنايا العليا فان قيل فان وضع المصلى أحد الحرفين مكان الآخر قلنا قال فى المحيط البرهاني إذا أتى بالظاء مكان الضاد او على العكس فالقياس أن تفسد صلاته وهو قول عامة المشايخ وقال مشايخنا بعدم الفساد للضرورة فى حق العامة خصوصا العجم فان أكثرهم لا يفرقون بين الحرفين وان فرقوا ففرقا غير صواب وفى الخلاصة لو قرأ بالظاء مكان الضاد او بالضاد مكان الظاء تفسد صلاته عند أبى حنيفة ومحمد واما عند عامة المشايخ كأبى مطيع البلخي ومحمد بن سلمة لا تفسد صلاته وَما هُوَ بِقَوْلِ شَيْطانٍ رَجِيمٍ اى قول بعض المسترقة للسمع دل عليه توصيفه بالرجيم لانه بمعنى المرمى بالشهب وهو نفى لقولهم