للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من أحباء الله فقيل له اذهب الى القصبة الفلانية ففيها حبيبى فجاء إليها ورأى رجلا يذكر الله وأسدا فاذا تغافل يختطفه الأسد حتى يقطع قطعة لحم من أعضائه فلما قرب اليه وسأل عن حاله قال أردت ان لا تغافل عن ذكر الله فاذا وقعت الغفلة سلط على كلبا من كلاب الدنيا فانا الازمه مخافة ان يسلط كلبا من كلاب الآخرة علىّ للغفلة يقول الفقير فى هذه القصة إشارات. منها ان فضوح الدنيا أهون من فضوح الآخرة وان مقاساة شدائد طريق الحق فى هذه النشأة أسهل من المؤاخذات الاخروية فعلى المرء ملازمة الطاعة والعبادة وان كانت شاقة عليه: وفى المثنوى

اندرين ره مى تراش ومى خراش ... تا دم آخر دمى فارغ مباش

ومنها انه لا بد من المراقبة فان عجز بنفسه عنها استعان عليها من خارج فانه لا بد للنائم من محرك وموقظ إذ النوم طويل والنفس كسلى ولذا جعلوا من شرط الصحبة ان لا يصطحب إلا مع من فوقه: وفى البستان

ز خود بهترى جوى وفرصت شمار ... كه با چون خودى كم كنى روزكار

ومنها ان الأسد الذي سلطه الله عليه انما سلطه فى الحقيقة على نفسه ليفترسها فان من لم يمت نفسه فى هذه الدار سلطها الله عليه فى دار البوار أَلا تنبهوا واعلموا إِنَّ أَوْلِياءَ اللَّهِ اى أحباء الله واعداء نفوسهم فان الولاية هى معروفة الله ومعرفة نفوسهم فمعرفة الله رؤيته بنظر المحبة ومعرفة النفس رؤيتها بنظر العداوة عند كشف غطاء أحوالها وأوصافها فاذا عرفتها حق المعرفة وعلمت انها عدوة لله ولك وعالجتها بالمعاندة والمكابدة أمنت مكرها وكيدها وما نظرت إليها بنظر الشفقة والرحمة كما فى التأويلات النجمية قال المولى ابو السعود رحمه الله الولي لغة القريب والمراد باولياء الله خلص المؤمنين لقربهم الروحاني منه سبحانه انتهى لانهم يتولونه تعالى بالطاعة اى يتقربون اليه بطاعته والاستغراق فى معرفته بحيث إذا رأوا رأوا دلائل قدرته وان سمعوا سمعوا آياته وان نطقوا نطقوا بالثناء عليه وان تحركوا تحركوا فى خدمته وان اجتهدوا اجتهدوا فى طاعته لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ فى الدارين من لحوق مكروه والخوف انما يكون من حدوث شىء من المكاره فى المستقبل وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ من فوات مطلوب والحزن انما يكون من تحقق شىء مما كرهه فى الماضي او من فوات شىء أحبه فيه اى لا يعتريهم ما يوجب ذلك لا انه يعتريهم لكنهم لا يخافون ولا يحزنون ولا انه لا يعتريهم خوف وحزن بل يستمرون على النشاط والسرور كيف لا واستشعار الخوف والخشية استعظاما لجلال الله وهيبته واستقصارا للجد والسعى فى اقامة حقوق العبودية من خصائص الخواص والمقربين ولذا قال فى الكواشي لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ فى الآخرة والا فهم أشد خوفا وحزنا فى الدنيا من غيرهم انتهى وانما يعتريهم ذلك لان مقصدهم ليس الاطاعة الله ونيل رضوانه انه المستتبع للكرامة والزلفى وذلك مما لا ريب فى حصوله ولا احتمال لفواته بموجب الوعد بالنسبة اليه تعالى واما ما عدا ذلك من الأمور الدنيوية المترددة بين الحصول والفوات فهى بمعزل من الانتظام فى سلك مقصدهم وجودا وعدما حتى يخافوا من حصول ضارها او يحزنوا

<<  <  ج: ص:  >  >>