ولكن قال الشيخ الكامل محمد بن على العربي قدس سره اعلم ان قول اويس ينبه على مقامه الأعلى وقطيته المثلى لان ذلك القول معرب عن حال امام الوقت فيعطى ما ملك ويتضرع هذا التضرع لمن استخلفه على عبيده بالرحمة لهم والشفقة عليهم والمكمل من سبقت رحمته غضبه كما اخبر الله سبحانه عن أكمل الخلفاء وسيد الاقطاب بقوله وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ ولكن العارف إذا كان صاحب حال مثل الحلاج فرق بين نفسه ونفس غيره فعامل نفسه بالشدة والقهر والعذاب ونفس غيره بالإيثار والرحمة والشفقة. واما إذا كان صاحب مقام وتمكين وقوة بان عرف الفرق بين الحال والمقام صارت نفسه عنه اجنبية وارتفع هو علويا وبقيت مع أبناء جنسها سفلية فلزمه العطف عليها كما لزمه العطف على غيرها لان ادب العارف من ذى الولاية انه إذا خرج بصدقة ولقى أول مسكين يليق لدفع الصدقة اليه يدفعها اليه البتة فاذا تركه الى مسكين آخر ولم يدفع للاول فقد انتقل من ربه الى هوى نفسه فانها مثل الرسالة لا يخص بالدعوة شخصا دون شخص فاول من يلقاه يقوله قل لا اله الا الله فالولى الكامل خليفة الرسول فاذا وهب الباري للولى رزقا يعلم انه مرسل به الى عالم النفوس الحيوانية فينزل من سماء عقله الى ارض النفوس ليؤدى إليهم ذلك القدر الذي وجه به فاول نفس تستقبله نفسه لا نفس غيره لان نفوس الغير ليست متعلقة به فلا تعرفه. واما نفسه فمتعلقة به ملازمة بابه فلا يفتحه الا عليها فتطلب امانتها فيقدمها على غيرها بالإعطاء لانها أول سائل والى هذا السر أشار الشارع صلى الله عليه وسلم بقوله (ابدأ بنفسك ثم بمن تعول) والأقربون اولى بالمعروف لتعلقهم بك ولزومهم بابك ولا تعلق للغير بك ولا له ملازمة نفسك وأهلك فلما تأخروا أخروا كسائر اسرار الله تعالى متى خرج من عند الحق على باب الرحمة فأى قلب وجد سائلا متعرضا دفع اليه حظه من الاسرار والحكم على قدر ما يراقبه من التعطش والجوع والذلة والافتقار وهم خاصة الله وعلى هذا المقام حرض الشارع بقوله (تعرضوا لنفحات الله سبحانه) وهذا سر الحديث ومراد الشرع فمن تأخر اخر ومن نسى نسى فانظر الآن كم بين المنزلتين والمقامين ثم انظر ايضا الى هذا المقام على علوه وسموه كيف اشترك فى الظاهر مع احوال العامة فانهم أول ما يجودون فعلى نفوسهم ثم الى غيرها وانما تصرفهم تحت حكم هذه الحقيقة وهم لا يشعرون وبعماهم عن هذه الاسرار ونزولهم الى حضيض البهائم بحيث لا يعرفون مواقع اسرار العالم مع الله حرصوا على الإيثار ومدحوا به وهو مقام الحلاج الذي ذكر عنه وظننت انه غاية فى الترقي والعلو وهكذا فلتعزل الحقائق وتحاك حلل الدقائق أهم كلام الشيخ الأكبر والكبريت الأحمر والمسك الأذفر قدس سره الأطهر وَلا تَقْتُلُوا يا معشر العرب أَوْلادَكُمْ [فرزندان شما] خَشْيَةَ إِمْلاقٍ مخافة الفقر ولا لغير مخافته الا ان الحال اقتضت ذلك يقال املق افتقر وقتلهم أولادهم وادهم بناتهم مخافة الفقر اى دفنها حية فنهاهم الله تعالى عنه وضمن لهم أرزاقهم فقال نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ لا غيرنا [پس غم روزى ايشان مخوريد كه هر كرا او جان دهد نان دهد] : سعدى