للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كونها روحا نورانيا فتجريه فى قالبها الذي هو محل لذلك ويكون ذلك القالب طبيعة مظلمة بعد كونه قلبا نورانيا فيتجلى الحق تعالى بالتجليات الجلالية والأحوال القهرية التي تورث الاضطراب وعدم الاستسلام فتكون على المخالفة والاعراض وتتصف بالأوصاف الذميمة بعد الاتصاف بالحميدة هكذا الى آخر الأمر إذ ذلك سنته القديمة وعادته الازلية الى ما شاء الله تعالى فانه إذا أراد بعبده خيرا يفقهه فى الدين ويجذبه الى نفسه مما سواه ولا يسلط الشيطان عليه كما قال إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ بل للملائكة السادنة لقبضة الجمال عليهم سلطان بسلطانى عليهم واحكام القبضتين جارية فى العوالم فى الأنفس والآفاق على أيدي سدنتهما الى تمام الأمر والحكم فى التقلب للغالب انتهى كلام حضرة الشيخ قدس سره وهو الذي ما جاء مثله بعد الصدر القنوى والله اعلم اللهم اجعلنى من تابعيه حقيقة ومتبعيه شريعة وطريقة وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ ما نافية ومن الاولى مزيدة للاستغراق والثانية تبعيضية واقعة بمجرورها صفة لآية والمراد بالآيات اما الآيات التنزيلية فاتيانها نزولها. والمعنى ما ينزل الى اهل مكة آية من الآيات القرآنية إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ غير ملتفتين اى على وجه التكذيب والاستهزاء واما الآيات التكوينية الشاملة للمعجزات وغيرها من تعاجيب المصنوعات فاتيانها ظهورها لهم. والمعنى ما يظهر لهم آية من الآيات التكوينية الدالة على وحدانية الله تعالى الا كانوا عنها معرضين تاركين للنظر الصحيح فيها المؤدى الى الايمان بمكونها وعن متعلقة بمعرضين والجملة فى محل النصب على انها حال من مفعول تأتى ففيها دلالة على كمال مسارعتهم الى الاعراض وإيقاعهم له فى آن الإتيان كما يفصح عنه كلمة لما فى قوله تعالى فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ فان الحق عبارة عن القرآن الذي اعرضوا عنه حيث اعرضوا عن كل آية منه وعبر عنه بذلك لكمال قبح ما فعلوا به فان تكذيب الحق مما لا يتصور صدوره عن أحد والفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها لكن لا على انه شىء مغاير له فى الحقيقة واقع عقيبه او حاصل بسببه بل على ان الاول عين الثاني حقيقة وانما الترتيب بسبب التغاير الاعتباري كما فى قوله تعالى فَقَدْ جاؤُ ظُلْماً وَزُوراً بعد قوله تعالى وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذا إِلَّا إِفْكٌ افْتَراهُ وَأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فان ما جاؤه اى فعلوه من الظلم والزور عين قولهم المحكي لكنه لما كان مغايرا له مفهوما واشنع منه حالا رتب عليه بالفاء ترتيب اللازم على الملزوم تهويلا لامره كذلك مفهوم التكذيب بالحق لما كان اشنع من مفهوم الاعراض المذكور اخرج مخرج اللازم البطلان فرتب عليه بالفاء إظهارا لغاية بطلانه ثم قيد بذلك لكونه بلا تأمل تأكيدا لشناعته والمعنى انهم حيث اعرضوا عن تلك الآيات عند إتيانها فقد كذبوا بما لا يمكن تكذيبه أصلا من غير ان يتدبروا فى حاله ومآله فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْباءُ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ سوف لتأكيد مضمون الجملة والانباء جمع نبأ وهو الخبر الذي له عظم وشأن وما عبارة عن الحق المذكور وانباؤه عبارة عما سيحيق بهم من العقوبات العاجلة اى سيعلمون ما يؤول اليه عاقبة استهزائهم بالآيات فقتلهم الله يوم بدر بالسيف أَلَمْ يَرَوْا لما ذكر تعالى قبائحهم من الاعراض والتكذيب والاستهزاء اتبعه بما يجرى مجرى الموعظة فوعظهم بالقرون الماضية فقال الم يروا وهمزة الإنكار لتقرير الرؤية وهى

<<  <  ج: ص:  >  >>