ان ينفد عمره روى البخاري عن عبد الله بن هشام انه قال كنا مع النبي عليه السلام وهو أخذ بيد عمر رضى الله عنه فقال عمر رضى الله عنه يا رسول الله أنت أحب الى من كل شىء إلا نفسي فقال صلى الله عليه وسلم (لا والذي نفس محمد بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك) اى لا يكون إيمانك كاملا حتى تؤثر رضاى على رضى نفسك وان كان فيه هلاكك فقال عمر الآن والله أنت أحب الى من نفسى فقال (الآن يا عمر) يعنى صار إيمانك كاملا قال ابن ملك والمراد من هذه المحبة محبة الاختيار لا محبة الطبع لان كل أحد مجبول على حب نفسه أشد من غيرها انتهى. قوله محبة الاختيار وهو ان يختار رضى النبي عليه السلام على رضى نفسه فالمراد هو الإيثار كما قال تعالى وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ فكما ان هذا الإيثار لا يقتضى عدم احتياج المؤثر فكذلك إيثار رضى الغير لا يستدعى ان تكون المحبة له أشد من كل وجه هذا ولكن فوق هذا كلام فان من فنى عن طبيعته ونفسه بل عن قالبه وقلبه فقد فنى عن محبتها ايضا وتخلص من الاثنينية ووصل الى مقام المحبوبية الذي لا غاية وراءه ورزقنا الله وإياكم ذلك بفضله وكرمه وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ اى اذكروا ايها المؤمنون وقت وعد الله تعالى إياكم إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ اى الفريقين إحداهما ابو سفيان مع العير والاخرى ابو جهل مع النفير أَنَّها لَكُمْ بدل اشتمال من احدى الطائفتين مبين لكيفية الوعد اى يعدكم ان احدى الطائفتين كائنة لكم مختصة بكم مسخرة لكم تتسلطون عليها تسلط الملاك على املاكهم وتتصرفون فيها كيف شئتم وَتَوَدُّونَ عطف على يعدكم داخل تحت الأمر بالذكر اى تحبون أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ من الطائفتين لا ذات الشوكة وهى النفير ورئيسهم ابو جهل وهم الف مقاتل وغير ذات الشوكة هى العير إذ لم يكن فيها الا أربعون فارسا ورئيسهم ابو سفيان ولذلك يتمنونها. والشوكة الحدة اى السلاح الذي له حدة كسنان الرمح والسيف ونصل السهم مستعار من واحدة الشوك والشوك نبت فى طرفه حدة كحدة الابرة وَيُرِيدُ اللَّهُ عطف على تودون منتظم معه فى سلك التذكير اى اذكروا وقت وعده تعالى إياكم احدى الطائفتين وودادتكم لادناهما وقوله تعالى أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ اى يثبته ويعليه بِكَلِماتِهِ بامره لكم بالقتال وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ اى آخرهم ويستأصلهم بالمرة. والمعنى انكم تريدون ان تصيبوا مالا ولا تلقوا مكروها والله يريد إعلاء الدين واظهار الحق وما يحصل لكم فوز الدارين لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ اللام متعلقة بفعل مقدر مؤخر عنها اى لهذه الغاية الجليلة وهى اظهار الدين الحق وابطال الكفر فعل ما فعل لا لشى آخر وليس فيه تكرار إذ الاول مذكور لبيان تفاوت ما بين الإرادتين ارادة الله وارادة المؤمنين والثاني لبيان الداعي الى حمل الرسول صلى الله عليه وسلم على اختيار التوجه الى ذات الشوكة ونصره عليها وقطع دابر المشركين ومعنى احقاق الحق اظهار حقيته لا جعله حقا بعد ان لم يكن كذلك وكذا حال ابطال الباطل وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ اى المشركون ذلك اى احقاق الحق وابطال الباطل إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ اى اذكروا وقت استغاثتكم وهى طلب الفوز والنصر والعون وذلك انهم لما علموا انه لا بد من القتال جعلوا يدعون الله