الحذف للتعميم والمبالغة لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ متعلق بما يدل عليه الجواب المحذوف كأنه قيل عقيبه لكن كفها عنهم ليدخل بذلك الكف المؤدى الى الفتح بلا محذور في رحمته الواسعة بقسميها مَنْ يَشاءُ وهم المؤمنون فانهم كانوا خارجين من الرحمة الدنيوية التي من جملتها الأمن مستضعفين تحت أيدي الكفرة واما الرحمة الاخروية فهم وان كانوا غير محرومين منها بالكلية لكنهم كانوا قاصرين في اقامة مراسم العبادة كما ينبغى فتوفيقهم لاقامتها على الوجه الأتم إدخال لهم في الرحمة الاخروية لَوْ تَزَيَّلُوا الضمير للفريقين اى لو تفرقوا وتميز بعضهم من بعض من زاله يزيله فرقه وزيلته فتزيل اى فرقته فتفرق لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً بقتل مقاتليهم وسبى ذراريهم والجملة مستأنفة مقررة لما قبلها وفي الآية إشارتان إحداهما ان من خاصية النفس أن تصد وجه الطالب عن الله تعالى وتشوب الخيرات والصدقات التي يتقرب بها الى الله بالرياء والسمعة والعجب لئلا تبلغ محل الصدق والإخلاص والقبول والثانية ان استبقاء النفوس لاستخلاص الأرواح وقواها مع ان بعض صفات النفس قابلة للفيض الإلهي فيلزم الحذر من إفساد استعدادها لقبول الفيض وعند التزكية فصفة لا يصلح الا قلعها كالكبر والشره والحسد والحقد وصفة تصلح للتبديل كالبخل بالسخاوة والحرص بالقناعة والغضب بالحلم والجبانة بالشجاعة والشهوة بالمحبة قال البقلى انظر كيف شفقة الله على المؤمنين الذين يراقبون الله في السرآء والضراء ويرضون ببلائه كيف حرسهم من الخطرات وكيف أخفاهم بسره عن صدمات قهره وكيف جعلهم في كنفه حتى لا يطلع عليهم أحد وكيف يدفع ببركتهم البلاء عن غيرهم فعلى المؤمن مراعاتهم في جميع الزمان والتوسل بهم الى الله المنان فانهم وسائل الله الخفية
بخود سر فرود برده همچون صدف ... نه مانند دريا بر آورده كف
إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا منصوب با ذكر على المفعولية اى اذكر وقت جعل الكافرين يعنى اهل مكة فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ اى الانفة والتكبر فعيلة من حمى من كذا حمية إذا انف منه وفي المفردات عبر عن القوة الغضبية إذا ثارت وكثرت بالحمية يقال حميت على فلان اى غضبت عليه انتهى وذلك لان في الغضب ثوران دم القلب وحرارته وغليانه والجار والمجرور اما متعلق بالجعل على انه بمعنى الإلقاء او بمحذوف وهو مفعول ثان على انه بمعنى التصيير اى جعلوها ثابته راسخة في قلوبهم حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ بدل من الحمية اى حمية الملة الجاهلية وهى ما كانت قبل البعثة او الحمية الناشئة من الجاهلية التي تمنع إذعان الحق قال الزهري حميتهم انفتهم من الإقرار للنبى بالرسالة والاستفتاح ببسم الله الرحمن الرحيم او منعهم من دخول مكة وقال مقاتل قال اهل مكة قد قتلو أبناءنا وإخواننا ثم يدخلون علينا فتتحدث العرب انهم دخلوا علينا على رغم انفنا واللات والعزى لا يدخلون علينا فهذه حمية الجاهلية التي دخلت في قلوبهم فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ عطف على جعل والمراد تذكير حسن صنيع الرسول والمؤمنين بتوفيق الله تعالى وسوء صنيع الكفرة اى فأنزل الله عليهم الثبات والوقار فلم يلحق بهم ما لحق الكفار فصالحوهم ورضوا أن يكتب الكتاب على ما أرادوا