قال ذو النون رحمه الله لا تصحب مع الله الا بالموافقة ولا مع الخلق الا بالمناصحة ولا مع النفس الا بالمخالفة ولا مع الشيطان الا بالعداوة فليسارع العبد الى تحصيل حسن الخلق وتوطين النفس على الصبر على المكاره حتى يفوز مع الفائزين. قال بعضهم كنت بمكة فرأيت فقير أطاف بالبيت واخرج من جيبه رفعة ونظر فيها ومر فلما كان بالغد فعل مثل ذلك فترقبته أياما وهو يفعل مثله فيوما من الأيام طاف ونظر فى الرقعة وتباعد قليلا وسقط ميتا فأخرجت الرقعة من جيبه وإذا فيها واصبر لحكم ربك فانك بأعيننا. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فى وصيته لابن عباس رضى الله تعالى عنهما ان استطعت ان تعمل لله بالرضى فى اليقين فافعل والا ففى الصبر على ما تكره خير كثير ومقاساة المجاهدات ومخالفة النفس وترك الشهوات واللذات والتزام الفقر والصبر على المكروهات من ديدن السلف الصالحين واهل النفس الامارة وان كان يبدو من فمه علامات البغض لأمثال هؤلاء الأخيار لكنه فى الحقيقة يعود ضرره الى نفسه والمرء بالصبر على ما جاء به من مكاره اعتراضه الفاسد يكون مأجورا ومثابا عند الله تعالى وتباين الناس بالصلاح والفساد وغير ذلك خير محض يعتبره العاقل ويزكى نفسه به فيا أيها الصلحاء ان الأشرار متسلطون على الأخيار بالطعن وقصد الإضرار ولكن المتقى فى حصن الله الملك الجبار وَإِذْ غَدَوْتَ اى اذكر لهم يا محمد وقت خروجك غدوة اى أول النهار الى أحد ليتذكروا ما وقع فيه من الأحوال الناشئة عن عدم الصبر فيعلموا انهم ان لزموا الصبر والتقوى لا يضرهم كيد الكفرة مِنْ أَهْلِكَ من منزل عائشة رضى الله عنها فى المدينة وهذا نص على ان عائشة رضى الله عنها كانت أهلا للنبى صلى الله عليه وسلم قال تعالى الطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ فدل هذا على انها كانت مطهرة مبرأة من كل قبيح ألا يرى ان ولد نوح لما كان كافرا قال إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ وكذا امرأة لوط تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ اى تنزلهم مَقاعِدَ كائنة ومهيئة لِلْقِتالِ او متعلق بقوله تبوئ اى لاجل القتال. والمقاعد جمع مقعد وهو اسم لمكان القعود عبر عن تلك الأماكن التي عينت لكل واحد من الصحابة ان يبيت فى ما عين له من تلك الأماكن اما بان يتسع فى استعمال القعود لمجرد المكان مع قطع النظر عن كونه مكان القعود كما فى قوله تعالى فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ واما لان كل مكان انما عين لصاحبه لان يقعد وينتظر فيه الى ان يجيئ العدو فيقوموا عند الحاجة الى المحاربة فسميت تلك الأماكن بالمقاعد لهذا الوجه- روى- ان المشركين نزلوا بأحد يوم الأربعاء فاستشار رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه ودعا عبد الله بن ابى بن سلول ولم يكن دعاه قبل ذلك فاستشاره فقال عبد الله واكثر الأنصار يا رسول الله أقم بالمدينة ولا تخرج إليهم فو الله ما خرجنا منها الى عدو قط الا أصاب منا ولا دخلها علينا الا أصبنا منه فكيف وأنت فينا فدعهم فان أقاموا أقاموا بشر محبس وان دخلوا قاتلهم الرجال فى وجوههم ورماهم الصبيان والنساء بالحجارة وان رجعوا رجعوا خائبين وقال بعضهم يا رسول الله اخرج بنا الى هؤلاء الا كلب لا يرون انا قد جبنا عنهم وقال عليه السلام (انى رأيت فى منامى بقرا مذبحة حولى) اى قطيعا منها (فاولتها خيرا ورأيت فى ذبان سيفى ثلما) اى كسرا (فاولته هزيمة ورأيت كأنى ادخلت يدى فى درع حصينة فاولتها المدينة فان رأيتم ان تقيموا بالمدينة وتدعوهم) فقال رجال