فان وقت الصفاء يقتضى نسيان الجفاء وايضا إذا تجلى الحق للسالك ورأى كل شىء هالكا الا وجهه فنى الذوات كلها فما ظنك بالأعمال والله تعالى تواب يقبل التوبة الا ان يكون العبد كذوبا- يحكى- ان مالك ابن دينار مر بشابين يلهوان فوعظهما فقال أحدهما انا اسد من الأسود فقال مالك سيأتيك اسد تكون عنده ثعلبا فمرض الشاب وعاده مالك فبكى الشاب وقال قد جاء الأسد الذي صرت عنده ثعلبا فقال مالك تب الى الله تعالى فانه تواب فنودى من زاوية البيت جربناه مرارا فوجدناه كذوبا: وفى المثنوى
توبه آرند وخدا توبه پذير ... امر او كيرند او نعم الأمير
قالُوا استئناف بيانى يا شُعَيْبُ ما نَفْقَهُ الفقه معرفة غرض المتكلم من كلامه اى لا نعرف ولا نفهم كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ اى كل ما تقول من التوحيد ومن إيفاء الكيل والوزن وغير ذلك كما فى قوله تعالى وَما يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا اى كلهم على أحد الوجهين وذلك استهانة بكلامه واحتقارا به كما يقول الرجل لصاحبه إذا لم يعبأ بحديثه ما ندرى ما تقول والا فشعيب كان يخاطبهم بلسانهم وهم يفهمون كلامه لكن لما كان دعاؤه الى شىء خلاف ما كانوا عليه وآباؤهم قالوا ما قالوا وَإِنَّا لَنَراكَ فِينا اى فيما بيننا ضَعِيفاً هو فى المشهور من ليس له قوة جسمانية اى لا قوة لك فتمتنع منا ان أردنا بك سوءا او مهينا لاعز لك وهذا لا يتعلق بالقوة الجسمانية فان ضعيف الجسم قد يكون وافر الحرمة بين الناس وهو الظاهر لان الكفرة كانوا يزدرون بالأنبياء وباتباعهم المؤمنين وفى التأويلات النجمية ضَعِيفاً اى ضعيف الرأى ناقص العقل وذلك لانه كما يرى العاقل السفيه ضعيف الرأى يرى السفيه العاقل ضعيف الرأى وَلَوْلا رَهْطُكَ ولولا حرمة قومك ومراعاة جانبهم وقالوا ذلك كرامة لقومه لانهم كانوا على دينهم لا خوفا منهم لان الرهط من الثلاثة الى السبعة او التسعة او العشرة وهم ألوف فكيف يخافون من رهطه لَرَجَمْناكَ لقتلناك برمى الحجارة وقد يوضع الرجم موضع القتل وان لم يكن بالحجارة من حيث انه سببه ولان أول القتل وهو قتل قابيل هابيل لما كان بالحجارة سمى كل قتل رجما وان لم يكن بها قال عمر رضى الله عنه تعلموا انسابكم تعرفوا بها أصولكم وتصلحوا بها أرحامكم. قالوا ولو لم يكن فى معرفة الأنساب الا الاحتراز بها من صولة الأعداء ومنازعة الأكفاء لكان تعلمها من احزم الرأى وأفضل الصواب ألا ترى الى قول قوم شعيب ولولا رهطك لرجمناك فابقوا عليه لرهطه يقال أبقيت على فلان إذا أرعيت عليه ورحمته وَما أَنْتَ عَلَيْنا بِعَزِيزٍ مكرم محترم حتى تمنعنا عزتك من رجمك بل رهطك هم الاعزة علينا لكونهم من اهل ديننا فانما نكف عنك للمحافظة على حرمتهم وهذا ديدن السفيه المحجوج يقابل الحجج والآيات بالسب والتهديد وتقديم الفاعل المعنوي لافادة الحصر والاختصاص وان كان الخبر صفة لا فعلا وعلينا متعلق بعزيز وجاز لكون المعمول ظرفا والباء مزيدة وفى التأويلات النجمية يشير الى ان من كان على الله بعزيز فانه ليس على الجاهل بعزيز انتهى أقول وذلك لان العزة والشرف عند الجهلاء بالجاه والمال لا بالدين والكمال وقد قال النبي عليه السلام (ان الله لا ينظر الى صوركم وأموالكم بل ينظر الى قلوبكم وأعمالكم) يعنى إذا كانت لكم قلوب واعمال صالحة تكونون مقبولين مطلقا سواء كانت لكم صور حسنة واموال فاخرة أم لا والا فلا: وفى المثنوى