واعلم ان الله تعالى لا يحب اظهار الفضائح والقبائح الا فى حق ظالم عظم ضرره وكثر كيده ومكره فعند ذلك يجوز اظهار فضائحه ولهذا قال عليه السلام (اذكروا الفاسق بما فيه كى يحذره الناس) وورد فى الأثر (ثلاثة ليست لهم الغيبة الامام الجائر والفاسق المعلن بفسقه والمبتدع الذي يدعو الناس الى بدعته) ثم ان اكثر السوء قولى فان اللسان صغير الجرم كبير الجرم وفى الحديث (البلاء موكل بالمنطق) - يحكى- ان ابن السكيت جلس مع المتوكل يوما فجاء المعتز والمؤيد ابنا المتوكل فقال أيما أحب إليك ابن اى أم الحسن والحسين قال والله ان قنبر خادم على رضى الله عنه خير منك ومن ابنيك فقال سلوا لسانه من قفاه ففعلوا فمات ومن العجب انه انشد قبل ذلك للمعتز والمؤيد وكان يعلمهما فقال
يصاب الفتى من عثرة بلسانه ... وليس يصاب المرء من عثرة الرجل
فعثرته فى القول تذهب رأسه ... وعثرته فى الرجل تبرا على مهل
وفى المثنوى
اين زبان چون سنك وهم آهن وشست ... آنچهـ بجهد از زبان چون آتشست
سنك وآهن را مزن بر هم گزاف ... گه ز روى نقل وگه از روى لاف
زانكه تاريكست وهر سو پنبه زار ... در ميان پنبه چون باشد شرار
عالمى را يك سخن ويران كند ... روبهان مرده را شيران كند
والاشارة فى الآية لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ من العوام ولا التحدث مع النفس من الخواص ولا الخطرة التي تخطر بالبال من الأخص إِلَّا مَنْ ظُلِمَ بمعاصي دواعى البشرية من غير اختيار او بابتلاء من اضطرار. وايضا لا يحب الجهر بالسوء من القول بإفشاء اسرار الربوبية واسرار مواهب الالوهية الا من ظلم بغلبات الأحوال وتعاقب كؤوس عقار الجمال والجلال فاضطر الى المقال فقال باللسان الباقي لا باللسان الفاني انا الحق سبحانى وَكانَ اللَّهُ فى الأزل سَمِيعاً لمقالهم قبل إبداء حالهم عَلِيماً بأحوالهم ثم قال إِنْ تُبْدُوا خَيْراً يعنى مما كوشفتم به من الطاف الحق تنبيها للحق وإفادة لهم بالحق أَوْ تُخْفُوهُ صيانة لنفوسكم عن آفات الشوائب وأخذا بخطامها عن المشارب أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ مما يدعوكم اليه هوى النفس الامارة بالسوء او تتركوا إعلان ما جعل الله إظهاره سوأ فان الله كان عفوا فيكون عفوا متخلقا بأخلاقه متصفا بصفاته وايضا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ فى الأزل عَفُوًّا عنك بان لم يجعلك من المخذولين حتى صرت عفوا عما سواه وكان هو قَدِيراً على خذلانك حتى يقدر على ان لا يعفو عن مثقال ذرة لكفرانك ان الإنسان لظلوم كفار كذا فى التأويلات النجمية إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ اى يؤدى اليه مذهبهم ويقتضيه رأيهم لا انهم يصرحون بذلك كما ينبىء عنه قوله تعالى وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ اى بان يؤمنوا به تعالى ويكفروا بهم لكن لا بان يصرحوا بالايمان به تعالى وبالكفر بهم قاطبة بل بطريق الالتزام كما يحكيه قوله تعالى وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ