يجرى منها القبح والدم هو طعامهم وشرابهم ما دامت السماوات والأرض يَتَجَرَّعُهُ استئناف بيانى كأنه قيل فماذا يفعل به فقيل يتجرعه وفى التفعل تكلف ومعنى التكلف ان الفاعل يتعانى ذلك الفعل ليحصل بمعاناته كتشجع إذ معناه استعمل الشجاعة وكلف نفسه إياها لتحصل فالمعنى. لغلبتة العطش واستيلاء الحرارة عليه يتكلف جرعه مرة بعد اخرى لا بمرة واحدة لمرارته وحرارته ورائحته المنتنة وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ اى لا يقارب ان يسيغه ويبتلعه فضلا عن الاساغة بل يغص به فيشر به باللتيا والتي جرعة غب جرعة فيطول عذابه تارة بالحرارة والعطش واخرى بشربه على تلك الحال فان السوغ انحدار الشراب فى الحلق بسهولة وقبول نفس ونفيه لا يوجب نفى ما ذكر جميعا وفى الحديث (انه يقرب اليه فيتكرهه فاذا ادنى منه شوى وجهه ووقعت فروة رأسه فاذا شرب قطع امعاءه حتى تخرج من دبره) وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ اى أسبابه من الشدائد والآلام مِنْ كُلِّ مَكانٍ ويحيط به من الجهات الست فالمراد بالمكان الجهة او من كل مكان من جسده حتى من اصول شعره وإبهام رجله وهذا تفظيع لما يصيبه من الألم اى لو كان ثمة موت لكان واحد منها مهلكا وَما هُوَ بِمَيِّتٍ اى والحال انه ليس بميت حقيقة فيستريح وَمِنْ وَرائِهِ من بين يديه اى بعد الصديد وقال الكاشفى [ودر پس اوست با وجود چنين محنتى كه] عَذابٌ غَلِيظٌ لا يعرف كنهه اى يستقبل كل وقت عذابا أشد وأشق مما كان قبله ففيه رفع ما يتوهم من الخفة بحسب الاعتبار كما فى عذاب الدنيا وعن الفضيل هو قطع الأنفاس وحبسها فى الأجساد ولذا جاء الصلب أشد انواع العذاب نعوذ بالله واستثنى من شدة العذاب عما النبي عليه السلام ابو لهب وابو طالب اما ابو لهب فكان له جارية يقال لها ثويبة وهى أول من ارضعته عليه السلام بعد إرضاع امه له فبشرته بولادته عليه السلام وقالت له أشعرت ان آمنة ولدت ولدا وفى لفظ غلاما لاخيك عبد الله فاعتقها ابو لهب وقال أنت حرة فجوزى بتخفيف العذاب عنه يوم الاثنين بان يسقى ماء فى جهنم فى تلك الليلة اى ليلة الاثنين فى مثل النقرة التي بين السبابة والإبهام وفى المواهب رؤى ابو لهب بعد موته فى المنام فقيل له ما حالك قال فى النار الا انه يخفف عنى كل ليلة اثنين وامص من بين إصبعي هاتين ماء وأشار برأس إصبعيه وان ذلك باعتاقى لثويبة عند ما بشرتنى بولادة النبي صلى الله عليه وسلم بارضاعها له كذا فى انسان العيون واما ابو طالب فقال العباس رضى الله عنه قلت يا رسول الله هل نفعت أبا طالب بشئ فانه كان يحوطك قال (نعم هو فى ضحضاح من النار ولولا انا لكان فى الدرك الأسفل من النار) وفى الحديث (ان الكافر يخفف عنه العذاب بالشفاعة) لعل هذا يكون مخصوصا بابى طالب كما فى شرح المشارق لابن الملك قال فى انسان العيون قبول شفاعته عليه السلام فى عمه ابى طالب عدّ من خصائصه عليه السلام فلا يشكل بقوله تعالى فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ وفى الحديث (إذا كان يوم القيامة شفعت لابى وأمي وعمى ابى طالب وأخ لى كان فى الجاهلية) يعنى أخاه من الرضاعة من حليمة ويجوز ان يكون ذكر شفاعته لأبويه كان قبل احيائهما وإيمانهما به وكذا لاخيه فانه كان قبل ان يسلم وقد صح ان حليمة وأولادها اسلموا انتهى الكل فى الإنسان وفى الحديث (يقال لاهون اهل النار عذابا يوم القيامة لو ان لك ما فى الأرض من شىء أكنت تفدى به فيقول نعم